ما من أحد استمع إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين يوم الاثنين 18/3/1437هـ، وهو يقدّم الميزانية للشعب، إلاّ وشعر أنّه يركّز في خطابه على ما يسعى إليه من تحقيق غايات كبرى، ابتدأها بأنه وجّه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالعمل على إطلاق إصلاحات اقتصادية، ومالية، وهيكلية شاملة، وهو الأمر الذي طال انتظاره منذ زمن ليس باليسير، بعد أن شعر الاقتصاديون أن الإدارة الاقتصادية في البلاد تحتاج فعلاً لإصلاحاتٍ جمّة، لن تتحقق إلاّ بإعادة هيكلة شاملة، لترفع عن الاقتصاد الجمود، وليتحرر من قيود تمنعه من الانطلاق نحو حركة اقتصادية واسعة، تنهض في ظلها البلاد، وضرب مثلاً لذلك بالميزانية التي أعلن عنها، والتي وصفها بأنها تمثل بداية برنامج عمل متكامل وشامل لبناء اقتصاد قوي، يقوم على أسس متينة، تتعدد فيه مصادر الدخل، وتنمو من خلاله المدّخرات، وتكثر في ظله فرص العمل، وتقوى من خلاله الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفكرة تعدد مصادر الدخل هي الفكرة الرائدة، التي إن تحققت فهي ستمثل انتصارًا عظيمًا لاقتصاد كان له مصدر دخل وحيد، إذا تعرض لأي هزة نتج عن ذلك أزمة اقتصادية لا يمكن حلّها إلاّ بتعافيه، وعندما تتعدّد مصادر الدخل، وتتوازن في ميادين الاقتصاد كافة، فإن المصدر الوحيد لا يعود له القدرة على إحداث هزات اقتصادية بين الحين والآخر، والمدّخرات لا تعني مدّخرات الدولة، أو احتياطاتها، وإنّما مدّخرات القوى الاقتصادية في البلاد مجتمعة، والتي يُعاد استثمارها في المجالات كافة زراعية، وصناعية، وخدمية، وهذا هو الأمر الذي تاق إليه المصلحون في الوطن منذ زمن بعيد، وها نحن ندرك اليوم أننا مقبلون عليه، إذا وضعنا أيدينا في أيدي بعض، وكانت غايتنا الارتقاء بهذا الوطن الغالي، ولم ينسَ خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- أن يشير إلى أن تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، وتطوير الخدمات الحكومية، مع رفع كفاءة الإنفاق العام، ومراجعة منظومة الدعم الحكومي، مع التدرج في التنفيذ من أجل تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد، والحد من الهدر، حتى لا يتصوّر أحد أن الهيكلة الشاملة لاقتصاد البلاد، وما يزمع من إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية فيه، ستؤدّي ولو إيقافًا مؤقتًا للمشروعات التنموية، والخدمية الضرورية لحياة المواطنين مادام طموح هذه الإصلاحات رفع كفاءة الإنفاق العام المحرّك في بلادنا لسائر القطاعات حتى اليوم، ومراجعة الدعم مهم جدًّا لكل اقتصاد متفاعل، فالدعم كلما تعاظم أثر على مجالات التنمية الأخرى، ولذا فترشيده أمر حتمي، كما أن التدرج في التنفيذ في كل هذه المجالات يحقق لنا الكفاءة في استخدام مواردنا، ويحد من الهدر الذي كان سائدًا من قبل، خاصة على الإنفاق في المشروعات العامة، كما أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لجميع المسؤولين والتي أكد عليهم أن ينفذوا المهام الموكلة إليهم على أكمل الوجوه، وأن تكون خدمة المواطن هي محور اهتماماتهم، وأكد لهم أنه لن يقبل أيّ تهاون. وقد وجّه -وفقه الله- بالاستمرار في مراجعة أنظمة الرقابة، بما يعزز دورها في متابعة الأعمال المنوطة بالموظفين العموميين. بما يرفع من كفاءتها، والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها، بما يحفظ المال العام، ويضمن محاسبة المقصّرين، وهو الأمر الذي سيكشف مَواطن القصور والخلل والفساد لنتمكّن من القضاء عليها، ورغم أن الميزانية جاءت في ظل انخفاض أسعار البترول، وتحدّيات مالية واقتصادية إقليمية ودولية، في ظل تراجع للاقتصاد العالمي، مع غياب الاستقرار في بعض الدول المجاورة لنا، إلاّ أنها جاءت لتستكمل ما بدئ فيه من مشروعات تنموية، وستعطى الأولوية لاستكمال تنفيذ المشروعات المقرّة في الميزانيات السابقة خاصة ما دخل حيّز التنفيذ، ولا نشك أبدًا أن بلادنا ستمر عبر هذا كله، وستحقق ما تريد تحت قيادتها الواعية بما يحدث حولنا، والذي نسأل الله عز وجل أن ينجي وطننا منه، ولسنا نخاف على اقتصادنا. فكم من مرة مرّت بنا صعوبات كثيرة تخطيناها، وحققنا لبلادنا الكثير، وسنحقق هذا في المستقبل أيضًا ما أخلصنا لله في كل عمل نقوم به، وهو ما نرجو أن يكون غاية كل مواطن في هذا البلد، ليوفقنا الله إلى أن نحفظ وطننا من كل شرور، والله الموفق لكل خير.