كلما تذكَّرتُ ماضي لبنان، حينما كان زهرة الوطن العربي، تذكَّرت أن الحياة فيه كانت مثالاً يحتذى لأوطان العرب، يوم كان صورة حية لتعايش أبنائه رغم تنوّعهم الذي بلغت طوائفه حداً يستعصي على العد، ولكنه كان يُضرب به المثل لأوطانِ العرب في أحوالٍ كثيرة.
ثم يمر الزمان، وينشأ فيه حزب مُسلَّح إيراني الوجهة، له رئيس لا يخجل أن يقول إنه يتبع لولاية الفقيه، وأن المرشد الإيراني، هو حسين هذا الزمان، وتنفق إيران عليه من أموالها، مما يجعله شوكة في جنب لبنان الحر، وتتصاعد فيه الفوضى ألواناً، ويرهق الناس ويصل بهم الحال إلى أشد أنواع التعب من سلطة لم يستدعها أحد فيه، ويتدهور اقتصاده، ويُصبح الفرد فيه أضعف العرب قدرة على ممارسة حياة كريمة، وحينما يسعى مرة أخرى للنهوض، يستحيل عليه ذلك لسببين: الأول، لسياسة إيرانية من السوء بمكان تغزو مجتمعه، وتتحكم فيه عبر حزب مسلَّح ضج أهله من تصرفاته. وطائفية يُرسِّخها نظام طوائف سياسي لا مثيل له في هذا العالم، يحرص عليه نظامه السياسي ويُرسِّخه، وحينما ينتفض الشعب وتتحد مطالبه يُحاربه الحزب المسلَّح، وساسة فقدوا الإخلاص للوطن، وهكذا يستمر الوضع في لبنان في مزيد من التدهور، بعد أن فرح اللبنانيون باجتماع كلمتهم، وأعجب إخوانهم في بلاد العرب بما أجمعوا عليه، وكانت الأمنية الغراء أن ينفض كل سياسي في لبنان عنه رداءه الطائفي، ليلبس مخلصاً الرداء الوطني الخلَّاب، ليجتمع مع أبناء وطنه الكريم لينهض بالوطن، ويسعى معهم لتطويره وتقدّمه، ولا يرضى أبداً أن يُحكَم وطنه من خارجه أبداً، هذا لبنان الذي كان يتنفَّس فيه الناس الحرية كُلَّما رحلوا إليه، حينما كان يزهو باستقلاله وجماله، واليوم كلنا ندعو له بالخلاص من نظام طائفي دمَّره، ولعل هذه المظاهرات التي نُتابعها اليوم تُحرِّره من طائفيته، وممَّن استولوا على قراره في هذا العصر الكئيب، فليَعُد لبنان حراً، وجميلاً في مبادئه، لتعود سيرته الأولى، ويعود إليه الجميع ليتنسَّم الحرية فيه، كما كانوا ينعمون بذلك في ماضيه.. وأعود إليه لأزور قبر حبيبة قد اشتقتُ إليها، وأحباب أتمنَّى أن ألقاهم، وقد فارقتهم زمناً طويلاً، فهل يحدث هذا سادتي؟، هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.