الذين يهاجمون الطوائف الأخرى على وسائل الإعلام، لا يُقدِّرون الخطر الناجم عن فعلهم، لأنهم لم يَطّلعوا على التاريخ، ولم يعرفوا وقائعه، فيندفعوا في ذم عقائد الناس ويذكوا نار الاختلاف؛ الذي يتحول إلى فتنٍ كقطع الليل متلاحقة
نحن كأهل السنة جمهور الأمة المسلمة، ونعتقد أننا ولاشك على الحق، وهو أمر لا يثير غيرنا من طوائف المسلمين وفرقهم، وأن نعرض على الناس ما نؤمن به لا يعيبنا أبداً.
وكلنا حتماً لا نحتكر الدين لنا، فلأهل القبلة معنا من طوائف المسلمين الأخرى شراكة لا ننكرها، ولنحافظ عليهم، علينا اليوم في ظل هذا الإعلام المؤثر تأثيراً بالغاً في علاقات البشر فيما بينهم، خاصة وأن الحدث الديني بقرية صغيرة في أقاصي البلاد الإسلامية نسمعه على كل وسائل الإعلام عبر العالم، فإذا قام خطيب على منبر مسجد هناك؛ يذم عقائد طائفة من المسلمين، سيسمعه العالم كله، وحتماً هذا الذم أو الانتقاص من عقائد الآخرين سيُولِّد لديهم كراهية شديدة لطائفة من هو منهم، فهم سيحكمون أن هذا هو مذهبهم في النظر إلى الآخرين من أهل القبلة.
ولعل مثل هذا ما انتشر في عصورنا المتأخرة، وأرسى أخطر ما نفّر أهل القبلة من بعضهم، وهو تكفير كل فرقة وطائفة الفرقة والطائفة الأخرى المخالفة لها في الرأي والاجتهاد، وتبادل هذا التكفير لم يشع فقط بين المتخالفين من أهل القبلة الكراهية لبعضهم، بل زاد في ذلك حتى اعتزلت كل فرقة أو طائفة الآخرين، وأفسد التعايش بينهم.. وهذا خطرٌ جداً إذا حدث في بلد واحد، لأن الفتن بين أهل الوطن الواحد لا تكون إلا عبر هذا الطريق.
الاختلاف بين أهل القبلة موجود ومرصود، ولكنه عبر الزمن استطاع المسلمون في أزمانٍ كثيرة السيطرة عليه، وحصره في نطاق المجالس العلمية، وفي بطون الكتب، ولم يصل إلى أسماع العامة، ولم يُحرِّض بعضهم على بعض فاستطاعوا التعايش.
وهو ما نحن اليوم في حاجة ماسة إليه كأمةٍ إسلامية، فعلينا أن نُحرِّم الإعلان عن ذم عقائد الناس العلني وعبر وسائل الإعلام، ونحاسب من لا يلتزم بهذا التحريم بما يردع غيره عن ذلك.
وحينما نُحرِّم ذلك، فإننا لا نعني أن ما يعتقده الآخرون حقاً، ولكنَّا بنص الشرع مُطالبون بالإحسان إلى الناس، وألا نقول لهم إلا حسناً، وألا نُجادل من اختلف دينه عن ديننا إلا بالحسنى.
فإن إعلان ذم عقائد الآخرين من أهل القبلة؛ لم يُجْدِ قط في أن يترك أحد منهم عقيدته لينضم إلى عقائدنا، وإنما صنع بيننا حروباً كانت في بعض الأحيان بشعة.
ولدرء هذا الخطر الجسيم علينا أن نسعى بإخلاص ألا يذم أحد عقائد الناس، ويلحقهم بالكافرين، فهذا سلوك لا يؤذي المذمومين فقط بل يؤذينا جميعاً.
فالذين يهاجمون الطوائف الأخرى علناً على وسائل الإعلام، لا يُقدِّرون الخطر الناجم عن فعلهم، لأنهم لم يَطّلعوا على التاريخ، ولم يعرفوا وقائعه، فيندفعوا في ذم عقائد الناس بشكل يذكي نار الاختلاف؛ الذي يتحول في الغالب إلى فتن كقطع الليل متلاحقة، بل هم لم يعرفوا الواقع المشاهد، في العراق وأفغانستان وباكستان وأخيراً في سوريا.
بل إنك تشعر أنهم يذكون نار الفتنة بإرادة صلبة، ويستمتعون بما يحدث اليوم من القتل على الهوية، وتشويه الجثث، وقطع الرؤوس علناً على شاشات التلفزيون.
بل إن أحدهم شجّع هؤلاء المجرمين على ما يفعلون، ورجاهم أن يتركوا له بعض أسراهم من أهل القبلة قبل غيرهم ليقوم هو بقطع رؤوسهم، أعاذنا الله وإياكم من مثل هذا الجهل، وحما الله وطننا مما يحدث اليوم خارجه، فهل نُدرك هذا كأمةٍ إسلامية، ونسعى جادين لتحريم ذم عقائد الناس؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.