لترتقي النظرة إلى المرأة

المرأة هي الأم والأخت والعمة والخالة، وهي الزوجة والابنة، هي الأساس الأول لحياة الإنسان، هي التي تحمله تسعة أشهر وهناً على وهن، وهي التي تعاني الآلام حين تنجبه وتلده، وهي في كل هذا راضية سعيدة، حكمة الله التي على أساسها نشأت الأسرة، لذا كانت مكانتها الأبرز في حياة الأبناء والبنات، لذا جعل ربنا الوفاء لها من أوجب الواجبات، فالجنة تحت قدميها وهي الأم التي تقدم مطالب الأبناء على مطالبها وتضحي بسعادتها لتوفر لهم سعادتهم، وهي التي قدم الله حسن صحبتها على الأب ثلاث مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك ثم أمك، وفي الرابعة قال: ثم أبوك.
والإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في أحكام هذا الدين، فكل منهما مكلف بها جميعاً والخطاب لأحدهما خاصة الرجال يشمل النساء لغة، لاشك في هذا ولا ريب، فكل الأحكام إلا من خص كل منها بأصل خلقته كأحكام الحيض والنفاس وبعض الأحكام الأخرى القليلة مخاطبون بها معاً، فهن كما جاء في الحديث (إنما النساء شقائق الرجال)، فهن نظائر الرجال وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن شققن من الرجال، ولأن حواء خلقت من آدم، فهن مشاركات مساويات للرجال في الكرامة الإنسانية، وفي الأحكام الشرعية إلا ما خص بها أحدهما دون الآخر، مما هو معلوم بالضرورة من الدين، في رواية الإمام أحمد: (إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، وفي الحديث الآخر: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).. وجاء في رواية ابن ماجة الحديث (أكمل المؤمنين إيماناً وأقربهم مني مجلساً ألطفهم بأهله). وقد أوصى سيدي رسول الله الرجال فقال: (استوصوا بالنساء خيرا) وقال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله).
فالمرأة مكرمة بأصل خلقها كما هو الرجل لقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، وقال عز وجل: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
فالمرأة سادتي نصف المجتمع الإنساني، وقد يزيد عددهن أحياناً على النصف، والنظرة الضيقة إليهن باعتبارهن أجسادا تثير الشهوة في الرجال فقط نظرة لا أشك في أن لا صلة لها بهذا الدين الحنيف، الذي جاء ليحقق العدل للناس ذكوراً وإناثاً، فما أرسل الرسل وأنزلت الكتب إلا لهذا أليس ربنا يقول: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز).
فخطاب ديني يحتقر المرأة ويحصر أمرها كله في شأن أدنى وعاء للشهوة وإنجاب الذرية، دون النظر إليها كإنسان له الكرامة التامة، وله حقوق كالرجل يجب أن تحصل عليها وتتمتع بها، هو خطاب لا ينتمي إلا فقه هذا الدين وعلومه وإنما ينتمي إلى هوى من حصر نظرته للمرأة في جسدها، حتى رأى فيها وهي طفلة مبعث شهوة ودون خجل من الله أو الناس.
إن تربيتنا ولاشك لأبنائنا منذ الصغر يجب أن تكون تربية على قيم الإسلام وآدابه ولنجعل من تربيتنا لهم سبباً لزرع العفة في نفوسهم ونفوسهن، ولندربهم على القيام بواجباتهم الدينية دون تقصير، ولكن أيضاً أن نربي أولادنا على أن يحترم بعضهم بعضاً، فلا ينظر الابن الذكر إلى أخته الأنثى هذه النظرة المتدنية التي تشتمل على احتقار للمرأة، بل أن نربي في نفسه الاعتزاز بها، وكذلك نربي في نفسها احترامه، لتكون الصلة بينهما صلة سوية، تقود كل منهما في المستقبل ليكون مجتمعاً مسلماً علاقاته سوية فيما بين أفراده ذكوراً وإناثاً لكل منهما حقوق يجب أن ينالها ولا يحول بينها وبينه حائل، وعليهما واجبات لابد وأن يؤدياها إرضاء لربهما قبل أن تكون واجباً لاستقرار مجتمعهما.
وإذا كان قد تأسس في خطاب البعض نظرة سيئة للمرأة تحتقرها وتجعل للرجل عليها سلطة مطلقة فيجب على كل حامل علم شرعي أن يبين للناس أن هذا الخطاب لا علاقة له بهذا الدين، الذي رفع قدر النساء حتى كانت منهن من نقلت إلينا أحكام الدين عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أزواجه، وصحابياته، ممن نقلن إلينا العلم وتلقيناه عنهن نحن الرجال، واستمر الحال على هذا من لدن التابعين وحتى القرن الهجري الماضي، حيث يحتشد في كتب التراجم الإسلامية، نساء عالمات بالدين نقلن أصوله وفروعه في مجالس حضرتها النساء والرجال ولم يعرف المسلمون هذه النظرة الدونية إلى النساء إلا في عصور ضعف فيها التلقي للعلم من أهله الذين أبدعوا في علومه، وأصبح من ألم بقشور منه يفتي بما ليس له أصل في هذه الشريعة، لأنه يمارس حياة لا يلتزم فيها بما شرعه الله لعباده، فهل نحن ندرك هذا ونحاول إصلاح الخلل؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: