في هذه العشر الأخيرة من رمضان، ذات الفضل العظيم، والموسم الأعظم؛ للتقرّب إلى الله رب العباد الذي يتقبَّل منهم -بإذنه- صيامهم وقيامهم، وإقبالهم على طاعته، ويرحمهم ويغفر لهم، ثمَّ يعتقهم من النار، فما أعظم ما يهبهم من الحسنات، وما يطوّقهم به من النعم، رب عفو رحيم، فرمضان موسم الخير، وخير ليلة فيه هي ليلة القدر، أنزل الله في كتابه سورة باسمها، وجعلها في الفضل عنده خيرًا من ألف شهر، وقيامها إيمانًا واحتسابًا يغفر ما تقدم من الذنب، تميَّزت هذه الليلة المباركة بأنَّها أنزل فيها القرآن الكريم، الذي به حياة المسلمين، يتعبدون ربهم بتلاوته، ويجدون فيه أحكام ربهم، وما دعاهم إليه من فعل وخلق، ينير لهم الطريق إلى ربهم، وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم، يحفون بحلقات الذكر، ويحفون بالمصلين، يشهدون صلواتهم، ويدعون لهم بالمغفرة، فالله الرؤوف الرحيم بعباده أمدَّهم بهذه الليلة لتعظم أجورهم، ولم يعين وقتها حتَّى يحرص العباد على التقرُّب من الله عزَّ وجلَّ كل ليالي رمضان، ثم ليزدادوا قربًا في العشر الأواخر منه، لتظل قلوبهم حاضرةً دومًا بين يدي ربهم، ولتزداد أعمالهم كثرةً فيغفر لهم، وإنَّما جهل وقتها بالتحديد حتَّى لا تخف عزائمهم عن طاعة الله الشهر كله، وليضاعفوا أعمالهم في التقرُّب إليه في العشر الأواخر منه اتِّباعًا لسنِّة نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لذا فيجب أن يضاعفوا أعمالهم في هذا العشر؛ رجاء أن ينالهم من الله نجاة من النار، ألم يقل سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلاَّ محروم)، وعلينا ألاَّ نستغرق الوقت والمواعظ في البحث عن إمارات لهذه الليلة، بل ليكن تحرِّينا لها انصرافًا للعمل في كل ليالي هذا الشهر، وفي العشر الأخيرة منه على الخصوص، ونحن على يقين أن الله سيغفر لنا ويرحمنا، وينجينا من النار، وأن نحرص على أن يرانا الله حيث يحب في هذه الأيام المباركة، مقبلين على تلاوة كتابه، وعلى ذكره، وإحياء الليالي بطاعته، وأن نكثر من الدعاء في أيامه ولياليه، وخاصة ثلثه الأخير، حتَّى لا يخرج الشهر إلاَّ وقد أصبحت الطاعة لنا عادةً، نُقبل عليها بقلوب مطمئنة على يقين أنَّها ستؤدِّي بنا إلى الجنة، ولنتخذ من هذا الشهر مدرسة للتعوّد على الصبر على الطاعة، حتَّى نجد حلاوتها، فلا نغير بتسويف للطاعة، ونحن لا نعلم متى الأجل فلنقدم الطاعة مؤمنين بأن الرحيل آتٍ لا محالة، وبالطاعة تأمن في يومك، وبعده من عذاب الله.. رحمنا الله وعفانا.