حينما يمضي بك الزمان؛ حتى تبلغ سنًّا يتطلّع فيه أمثالك إلى ما بعد هذه الحياة، ويدعو الله صادقًا أن يجعلها خيرًا من حياته التي عاشها في أكناف هذه الدنيا، وهو راسخ الإيمان بالله الرؤوف الرحيم، وهو به راحم، وسيكون اللقاء به يوم يحلّ الأجل أسعد أيام حياته، فالله الرحمن قد ستره في الدنيا، وهو أقدر على ستر ما كان منه من الصغائر إن وقعت حين غفلة، وحين نزوة، وإن ما عمله كله في حياته هو -بإذن الله- في الجانب الآمن الذي سيحبب لقاءه بربه، ليكون خير أيام حياته هذا اليوم، واليوم وأنا على فراش المرض، وقد تعرّضت لجلطة أثرت على عيني اليمنى، أحسستُ أنَّ الله الحنّان المنّان في كل لحظة وأوان رؤوف بعبده، لطيف به في كل أحواله، وها أنا قد أمضيتُ أيامًا ثلاثة في المستشفى، ووجدتُ من الأطباء كلَّ عناية ورعاية، وما ذاك إلاَّ بما قدّر الرب الرؤوف الرحيم، وإنّي لأسأله لي ولجميع إخواني أن يرعانا يوم الرحيل عن هذه الدنيا، وأن يكون رحيلنا عنها فرحة لنا بلقائه عزّ وجلّ، وانتقالي إلى رفقة؛ خير من أهلنا وأحبابنا، ونرجو أن يكون أولادنا -مَن كسبنا- يدعون لنا منذ أن نفارقهم، وحتى نلقاهم في الآخرة، كما نفعل مع آبائنا وأمهاتنا حتى هذه اللحظة، التي شعرت فيها باقتراب الرحيل، وأسأل الله أن يجمعني بهم أحبّة وأقرباء في مستقر رحمته، وقد رحمنا، وغفر لنا، ونلنا رضوانه، ذاك هو المبتغى والمأمول، فهذه الحياة وإن طالت، فكل حيّ من بني آدم راحل عنها لا محالة، والسعيد من كسب رضا الله وغفرانه، فسلت روحه من جسده برفق، فتكون عند الله في سرور تنتظر يوم الجائزة الكبرى، الذي يُمنح فيه العباد مواقعهم، المؤمنون الصابرون في رياض الجنة، يرون مواقعهم فيها، وهم في حياة البرزخ، نؤمن بما جاء عن الحياة الأخرى في كتاب الله وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ونراها حقيقة واقعة، ونشتاق إليها، ونسأل الله الهداية لعباد الله الذين انحرفوا عنها، وأن يتوبوا إلى ربهم قبل يومها العظيم، ليرحمهم يوم اللقاء، ولينالوا رضوانه، فرضوانه أعزّ ما يحصل عليه المؤمن قبل الرحيل، وأن يحس به إحساسًا، يجعله يغتبط به، كما نفعل اليوم وقبله، ومنذ علمنا بحقائق الدّين وأحكامه، فحياتنا إن لم ترتبط به فلا قيمة لها، وإني وأنا على فراش المرض لأرفع أكفّ الضراعة لله أنْ يغفرَ ويرحمَ كلَّ مَن عرفت وأحسنَ إليَّ، فقد دعوت له كل حين، ومن أساء إليَّ وغضبت حينًا منه، فإني أسأل الكريم أن يعفو عنه، فأنا الفقير قد عفوت عنه امتثالاً لأمر ربي، وأسأل الله تعالى أن تلتقي أرواحنا، وهي مسرورة باللقاء، وأعفو عن كل من ظلمني، وأسأل الله أن يرحمه، فباقتراب الرحيل لا يبقى إلاّ صفاء النفس والروح مع كل خلق الله، اللهم اغفر لعبدك وارحمه، وألطف به حين تسل روحه من جسده، كل أمل ربي في غيرك اليوم لا فائدة منه، كما أن الأمل فيك ربي هو ما أنقذنا من المهالك، ونحن على العهد معك أن تنقذني يوم الرحيل.