التعميم ولا شك دوماً لا يكون صادقاً, خاصة إذا كان حكمك المعمم على ما هو في حقيقته متنوع ومتعدد, فقولك أن شبابنا مثلاً خامل لا يهتم لمعالي الأمور ليس صادقاً, لأن بين هذا الشباب ولا شك أفراد لا تشغلهم سوى معالي الأمور, فليسوا جميعا كتلة صماء لتعمم حكمك عليهم على هذه الصورة, والقول بأننا يجب أن نكره الغرب لأنه يستهدفنا دائماً ولا يرضى لنا أن نعيش في تبعية له, قول لا ينطبق على الواقع في كل حال, ففي الغرب من يعادينا لغايات سياسية أو اقتصادية يسعى لتحقيقها, ولا تتحقق له إلا من خلال جعل أوضاعنا غير منافسة له, ولكن ليست هذه سياسة كل الغرب المتنوع والمتعدد, فقد رأينا من قبل حركة الاستشراف الأوروبي المصاحب للاستعمار كان منها المشوه لتاريخنا وأوضاعنا, ومنها من هو دارس لمعرفة الواقع فقط, ولا أظن أن كثيراً من الدول الغربية لا يهمها إن كنا مسلمين أو على دين آخر, وتسعى إلى علاقة متوازنة بدولنا , فليس الغرب أيضاً كتلة صماء يمكن الحكم عليها بحكم واحد نعممه على سائرها, وحتماً لسنا في حاجة إلى أن نكره الغرب ليمكننا درء أخطاره عنا حين تكون لسياسات بعض دوله خطر علينا, فأمم الغرب كباقي أمم العالم يجب أن تكون علاقتنا بها علاقة تحقق لنا مصالحنا التي نحرص عليها, ولا تبنى علاقات الأمم فقط بناء على أديانها إن كانت أدياناً صحيحة حقاً أم فاسدة, فمثل هذه العلاقة لا تفرز سوى كراهية وبغضاً متبادلاً وقد عاش المسلمون والمسيحيون الغربيون زمناً ليس باليسير في تحارب دائم بسبب ذلك, واليوم لنا مصالح تربطنا بأكثر دول الغرب وتخلينا عنها يضر بنا بالغ الضرر, خاصة وأننا اليوم في حالة ضعف يسود دولنا العربية والمسلمة, وإذا كنا قد كرهنا من الغرب عدوانه علينا واستعماره لجل أراضينا الإسلامية, إلا أننا اليوم في أمس الحاجة إلى أن تكون لنا علاقة جيدة, من خلالها نستفيد من حضارته المتقدمة للنهوض بدولنا التي تعاني من كل النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية, فنهضتنا اليوم لن تتم إلا من خلال الاستفادة من حضارة الغرب المتقدمة, وبعث فكرة العداء المستحكم للغرب اليوم لن تحقق لعالمنا العربي والمسلم سوى البقاء في حالة التخلف السائدة مادياً ومعنوياً, وأولئك الذين يبالغون في اعلان عدائهم للغرب لمجرد أنهم لا يرون في العلاقة معه سوى ملامح الماضي فقط, وهم يعلمون أن ليس في يد أمتهم من القوة ما تناهض به الغرب, إنما يدفعونها إلى مزيد من الضعف وجعلها لقمة سائغة للغرب الذي يعادونه, فهل يدركون هذا هو ما نرجو والله ولي التوفيق.