ما يصنع المسلمون في الغرب

لو أن إخواننا المسلمين اندمجوا في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها واحتلوا فيها مراكز متقدمة وأصبحوا لوبياً مؤثراً في سياسة تلك البلدان كما فعل اليهود لخدموا وجودهم هناك

كلنا نعلم أنّ في الغرب من المسلمين عرباً وعجماً أعداداً تتزايد باستمرار يدفعها للرحلة إلى الغرب: ضيق الرزق في بعض أوطانهم, أو هرباً من قمع سياسي لا يرحم, أو استبداد مقيم يجعل الحياة في بعض الأوطان بحرية مستحيلاً, ولعل بعد ذلك هناك هواة للترحال يصلون إلى بلد فيعجبون بالحياة فيه فيختارون الإقامة الدائمة في رحابه, ويُعذر الفار من فقر مدقع يرحل بغية طلب الرزق ليحفظ روحه وأهله من أعدى أعداء البشرية «الفقر» ونعذر من كانت روحه على كفه في مواجهة قمع واستبداد في وطنه, حتى خشي إن بقي أن تزهق روحه, أما غيرهما فلا شأن لنا بهم, والغريب أن عدد من اختاروا الإقامة في الغرب لهذه الأسباب أو غيرها يتزايد باستمرار, حتى إنك إن زرت بعض دول الغرب ظننت أن أحياء منها أصبحت موطناً لهؤلاء المسلمين, وقد كنت أوائل هذا الشهر (ديسمبر) في لندن ورأيت من إخواننا المسلمين العدد الكبير ممن يعيشون في بريطانيا, والذين أصبح لهم شارع مشهور بأنه شارع العرب, وأحياء يكثرون فيها, وكثير منهم استطاع أن يحصل على لجوء سياسي يمكنه من العيش في هذا البلد فيوفر له السكن ومساعدة مالية تتيح له العيش براحة, وقد أنشأ هؤلاء مساجدهم ومدارس لتعليم أبنائهم لغاتهم ودينهم, وهم في ظل القانون البريطاني تتوفر لهم من الحقوق ما لم يتوافر لهم في بلدانهم من قبل, وقد كنت قد حضرت دورة علمية لمركز المقاصد الإسلامية التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ورأست بعض جلساتها, أقصد الدورة العلمية, وقد حضرها من إخواننا المسلمين الكثيرون, فأتاح ذلك لي مخالطتهم والاستماع إلى أفكارهم والإجابة على بعض تساؤلاتهم, وكان أول ما لاحظته أن إخواننا هناك قد نقلوا معهم من أوطانهم خلافاتهم المذهبية والطائفية, ونقلوا معهم هذا الجدل العقيم حول قضايا لا تزال في أوطاننا مجال اختلاف وجدل ومراء, رغم أن الزمن قد تجاوزها, مثل الاختلاف حول حقوق المرأة وقضاياها, وقضايا الاختلافات العقدية المؤدية في جميع الأحوال إلى التهم بالابتداع أو الكفر أحياناً, بل لعلك تجد من بينهم من يتساءل كيف تكون علاقته بالمختلف عنه ديناً وهو يعيش في بلد سكانه كلهم يختلفون عنه في الدين, وتراه يكاد أن يجعل هذه العلاقة إلى لون عداء رغم أنه يعيش بينهم, وهم الذين وفروا له من الحقوق ما لم يكن يحلم به, وسمعت من يسأل وهو بريطاني الجنسية هل يباح له أن يرشح نفسه للمجالس المحلية والنيابية, أو الترشح للبلديات وما شابه ذلك, وكأني به قد سمع من آخرين حرمة ذلك, ولما أجبته أن ذلك يُباح له, بل لعله أحياناً يكون واجباً إذا كان من خلاله يستطيع خدمة إخوانه المسلمين في هذه البلاد أو خدمة قضايا المسلمين في كل مكان, وأذكر هنا بما تقوم به الجماعات اليهودية في دول الغرب من عمل دؤوب لخدمة قضاياهم, ولمناصرة كيانهم المشبوه في فلسطين, ولو أن اخواننا المسلمين اندمجوا في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها, واحتلوا فيها مراكز متقدمة, وأصبحوا لوبياً قوياً مؤثراً في سياسة تلك البلدان كما فعل اليهود من قبل لخدموا وجودهم في هذه البلدان الغربية, ولخدموا قضايا المسلمين عامة, أما أن يظلوا منعزلين عن المجتمع الذي يعيشون فيه, متوجسين أنهم إن مدوا أيديهم إليه يرتكبون محرماً, بل وأشد من ذلك أن ينظروا إليه أنه عدو لهم فتسمع منهم ما يدل على أنهم يكرهونه, بل ولعل بعضهم يجاهر بهذه الكراهية مما يجعل لدى الناس المحيطين بهم في تلك البلاد موقفاً منهم لا يرضونه, والمسلم في تلك المجتمعات على كاهله مسؤولية عظيمة, فهو ممثل لمن تركهم خلفه في بلاده من إخوانه المسلمين, وأن يظهر لمجتمعه الجديد محاسن دينه عن طريق أن يكون خلقه القرآن, وسلوكه تضبطه أحكام الشريعة, مما اشتملت عليه من رحمة بالعباد, وتسامح في العلاقة بهم, في غير تفريط في دينه ولا شك, ولا أظن أن أحداً يطالبه بذلك, فأحوال بعض إخواننا في الغرب لا تسر إخوانهم من المسلمين في الشرق, فقد كانوا يرجون أن يقدموا بالنيابة عنهم صورة لهم مشرقة, وكذلك لدينهم, ليصنعوا لهم في الغرب مكانة بدل أن تكون هذه الصورة مشوهة, بحيث يزداد الناس في الغرب كراهية للمسلمين ودينهم, والتي لها جذور تاريخية في الغرب, يوم كان بين الغربيين والمسلمين في الشرق قتال, فيما سمي آنذاك بالحروب الصليبية, وكان في مقدورنا عن طريقة إخواننا المسلمين في الغرب أن نمحو ثقافة ترسخت لدى الغرب عنا, ونؤسس في مجتمعاتهم ثقافة ترفع عنا الظلم القديم, الذي استمر قروناً في الغرب, ولن يكون هذا إلا بعمل دؤوب من إخواننا هناك وبعون منا, فإن لم نعمل لذلك فإننا نعرض بلداننا وديننا لسطوة الغربيين اليوم, فهل يدرك هذا, هو ما أرجو والله ولي التوفيق,

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: