لا اشك لحظة أن هذا الزمن الذي نعيشه، لو أحسنا استقباله لكان لنا زمان رقى لا نختار غيرة، نسعد بما يحققه لنا مبدعونا في كل مجال، لكنا غبنا عنه فلم نحسن استغلال أيامه، فكان زمن خواء لا نحقق فيه لنا ما يجعلنا نشارك الدنيا كلها في حضارة العالم المتصاعدة اليوم، ولولا نسمات رقيقة تصدر عن بعض رموز مبدعينا لأصابنا الإحباط وتوارينا عن الحياة .
وشاعرنا الكبير محمد الثـبـيـتـي البدوي القادم من أعماق واحات الصحراء، المطل على العالم يعزف على قيثارة، تنقل الواحات إلى ساحات الحضارة والحداثة، أليس يقول في ((موقـف الرمال موقـف الجناس))
ضمني ثم أوقفني في الرمال
ودعاني
بميم وحاء وميم ودال
وقال:أنت والنخل فرعان
ورفعت النواقيس
هن اعترفن بسر النوى
وعرفن النواميس
فاكهة الفقراء
وفاكهة الشعراء
تساقيمتا بالخليطين
خمراً جريئاً وسحراً حلال
ويمضي إلى أن يقول:
أصادق الشوارع
والرمل والمزارع
أصادق النخيل
أصادق المدينة
والبحر والسفينة
جاءنا شاعرنا في زمن انقشعت فيه سحب الإبداع عن سمائنا، إلا ما كان عبر محاولات محدودة، يمضى في اجتراحها شعراء ملهمون من أجيالنا الحاضرة، وكثير منهم لا يلبث حتى تخمد جذور ابداعه، فيتوارى عنا حتى نكاد أن ننساه، وبقى الثبيتي شاعر المرحلة، الذي صدح بما يملأنا تفاؤلاً، بان هذه البلاد يولد كل يوم على أرضها شاعر يملؤها فرحاً بالمستقبل، فأستمع إليه يقول مردداً الفرح بالعشق بعد أن كدنا نجهله:
عندما تعشقين
ينام الربيع على راحتيك
ويرتعش العطر بين يديك
وفى وجنتيك
ويزدحم الليل بالعاشقين
فيعيدنا لزمن فرح ظننا ألا عودة إليه بعد كثرة الشقاء الذي أحاط بنا، ورواده قد رحلوا عنه، وخلت الساحة منهم،حتى كاد ألا يعشق أحد في زمان تبلدت فيه الأحاسيس وتوارت فيه العواطف النبيلة اسمع شاعرنا الكبير وهو يذكرنا ويجترحو الأسئلة فيقول:
أقبلوا كالعصافير يشتعلون غناء
فحدقت في داخلي
كيف اقرأ هذى الوجوه
وفي لفتى حجر جاهلي
بين نارين أفرغت كأسى
ناشدت قلبي أن يستريح
هل يعود الصبا مشرعاً للغناء العطر
أو للبكاء الفصيح
ولم يعدنا- سادتي – للغناء العطر وفضاءات العشق ومساءات الفرح سواه، وهو اليوم يرقد على السرير الأبيض، وقد ألمت به وعكة صحية أفزعتنا، ولكنا نتصبر، فالله الذي منحنا إياه لن يحرمنا منه، وهو قيثارة زمننا المعاش، بكل ما ازدحم به من أتراح، فظل هو وحده يتخللها بشدو الفرح منذ أن أفصح عن تضاريسه وترتيله البدء التي جاء بها عرفاناً لهذا الرمل ويقول:
هذه أدنى القراءات
وهذا ورق التين يبوح
قل: هو الرعد يعرى جسد الموت
ويستثني تضاريس الخصوبة
وهو لا يزال البدوي الذي يتذكر مفردات بداوته ليغرف بها نهر عشق حضاري خالد اقرأه يقول:
هذا بعيري على الأبواب منتصب
لم تـعش عينيه أضواء المـطارات
وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
تهدهد العشق في مرعى شيوهاتي
أنا حـصـان قــديم فــوق غــرته
تـوزع الشـمـس أنوار الصـباحات
أنا حصــان عصـى لا يـطوعه
نوح العـنـاقـيـد او عـطـر الهنيــهات
لله درك شاعرنا النبيل فكم ملكت بعذب شعرك عواطفنا فانحزنا إليك، لأننا انحزنا لزماننا، نريده فرحاً لنا نلغى به إحزاننا إذا تكاثرت.
وها نحن نرفع الأكف مخلصين لك بالشفاء العاجل علنا نحظى بإجابة عاجلة، بإبداعاتك من جديد، تحلق بنا في فضاءات السعادة فاللهم اشف عبدك محمد الثبيتي انك أنت الشافي.