مشكلة المعاهد والكليات الصحية

خريجو هذه المعاهد تراكمت دفعاتهم وضاعت أعمارهم في جدل بين الجهات الرسمية

ممّا يتعرض له أبناؤنا في هذا الزمان أن التعليم الأهلي عندنا ينتابه شيء من سوء التخطيط, فيسمح بإنشاء معاهد وكليات صحية, ثم لا يلبث إلاّ سنوات يتخرج فيها عدد كبير من أبنائنا, فيحرمون من التوظيف؛ بحجة أن هؤلاء لم يؤهلوا التأهيل اللازم لممارسة الأعمال التي تخصصوا فيها, وتبدأ الجهات الرسمية كالتعليم العالي, وإدارة التخصصات الطبية, ووزارة الصحة تتقاذفهم, وتمر سنوات ببعضهم ولم يعيّن, رغم أن هذه المعاهد والكليات مرخص لها, ثم عرضت قضية بعضهم على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -رعاه الله- وأمر بتوظيفهم, فوظّف بعضهم, ولم يوظّف البعض الآخر, وظل ما يقارب الأربعة عشر ألف منهم خارج العمل في تخصصاتهم, واضطروا للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم, ومن ذهبوا إلى المستشفيات الخاصة منهم مَن رفض أو ساوموه على المرتب, واليوم نقرأ في جريدة الحياة السبت 15/7/1434هـ خبرًا يقول: إن المتحدث باسم هيئة التخصصات الصحية عبدالله الزهيان قال إنه تم إغلاق 80% من المعاهد الصحية في المملكة, وان 18 أغلقت في العام الماضي, وبرر هذا الإغلاق بأنه بقصد إدخال طلابها إلى الكليات الصحية الحديثة, ولا يزال الأمر في طور تحويل هذه المعاهد إلى كليات جامعية سواء في التعليم الأهلي أو التعليم الرسمي, وأنه جاء متمشيًا مع توصية منظمة الصحة العالمية, التي أوصت بأن يكون الكادر المساعد جامعيًّا, والاستاذ الزهيان يقول: لا علاقة بين هيئة التخصصات الطبية وخريجي المعاهد الصحية, وقال: القضية رفعت إلى وزارة الخدمة المدنية؛ لأنها المعنية بذلك, مع أن الحقيقة أن الخدمة المدنية لا تستطيع توظيفهم إلاَّ بعد أن تمنحهم هيئة التخصصات الطبية ما يمكنهم من ممارسة المهنة, وهي التي تحدد كفاءة الممارس من عدمها, وهو ما وقف حجر عثرة في طريق توظيف ثمانية وعشرين ألفًا منهم, ثم تم التساهل مع أربعة عشر ألفًا منهم فوظفوا وظل منهم أربعة عشر ألفًا ينتظرون حتى الآن.
رغم التوجيه السامي بحل مشكلتهم, ولا أحد يعترض أن تقيّم تلك المعاهد, وأن تُستبدل بكليات جامعية, ولكن بعد حل مشكلة خريجي المعاهد التي تراكمت دفعاتهم, وضاعت سنوات من أعمارهم في جدل بين الجهات الرسمية, أدّى إلى وقوع ضرر بالغ بهم, فهذه المعاهد إنما نشأت تحت بصر الجميع, والأهلي منها منح الإذن, وكان تحت الإشراف الحكومي, كما أن من هذه المعاهد ما هو حكومي فالقصور إنما مصدره حكومي, مثل ما حدث قديمًا مع المعاهد الابتدائية للمعلمين, والتي كان المعلم فيها يؤهل بثلاث سنوات بعد الشهادة الابتدائية ليعيّن مدرسًا في المرحلة الابتدائية, ثم لمّا ظهر أن ذلك غير كافٍ لتأهيل معلم ناجح, انشئت المعاهد الثانوية للمعلمين, ولمّا وجدت وزارة المعارف -آنذاك- أن هذا غير كافٍ في التأهيل أنشأت كليات المعلمين والمعلمات المتوسطة, ثم أخيرًا الجامعية, وتعرض الأبناء والتعليم لكل هذه التجارب, ولا أظن أن صحة المواطنين تقبل أن تكون مجالاً للتجارب, والدارسون الذين تخرجوا في هذه المعاهد الصحية لا ذنب لهم, وجلهم درس في معاهد أهلية, وأنفق أهله عليه الكثير من المال,
فوجب توظيفهم أولاً, ثم تأهيلهم للعمل بعد ذلك, سواء بإعادتهم للدراسة في الكليات الصحية المزمع إنشاؤها, أو دورات متلاحقة وهم على رأس العمل, وقد صنعت وزارة المعارف ذلك قديمًا لتأهيل خريجي المعاهد الابتدائية, ثم الثانوية, خاصة أن هؤلاء الخريجين إنما دفعهم للالتحاق بالمعاهد الصحية حاجتهم للعمل, وإلى دخل يحفظ لهم كرامتهم, فهل إذا أخطأت أي جهة رسمية في حق مواطنين تلافت الخطأ بما لا يضر بهم, فإن ذلك أهدى وأقوم سبيلاً, فهل يفعلون؟ هو ما نرجو, والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: