كثير من الدول العربية اهتمامها بالسياسة الخارجية يصرفها أن تهتم بسياسة داخلية، تُوفِّر للوطن استقرارًا وقوة تلاحم بين أهله وسكانه من أهله أو غيرهم، ذلك أن قوة الداخل وتلاحمه الأساس المتين الذي تبنى عليه، ولا شك أن السياسة الخارجية التي تهتم لها الدنيا كلها، والدول ذات الثقل السياسي في عالمنا اليوم كلها دول تقدّمت وتطوّرت الحياة فيها، وعلم سكانها الالتزام بالسلوك الإنساني الرفيع، ومَن شذّ عن ذلك، فالقوانين له بالمرصاد، والمواطن والدولة يربط بينهما وثيقة علاقة إنسانية وقانونية، تعطي كلاً منهما حقّه، فاستقرت حياة الداخل، وقويت روابط المواطنين ببعضهم، لا تعتدي جماعة منهم على حقوق الآخرين، مهما تعددت طوائفهم، أو مللهم، أو أعراقهم تجمعهم وحدة العيش على أرض الوطن، وكل منهم يحترم ثقافة الآخر، وليست الدول العربية التي تفككت كذلك، فمثل هذه الدول لا تهتم بمواطنيها، ولا توفر لهم حقوقهم، وهم لا جماعة لهم، وطنية مترابطة، الجهل بينهم يغري بعضهم ببعض، فيختلفون حتى على التوافه، فينشأ الاضطراب في الداخل، وتتكاثر الأطماع فيه من الخارج، الذي قد يُظهر له ودًّا، وهو يسعى إلى الإمساك بأموره، وتطويعه لسياساته، وعند انتشار الفوضى بسبب الاقتتال الداخلي بين جماعاته، تصبح سيطرة الخارج عليه أسهل، ولو أن تلك الدول اهتمّت بالداخل أكثر، وحاولت تقوية روابطها معه، لكان لها من القوة ما تجابه به أطماع الخارج، وتمنع وصولها إلى الوطن، ولعلّ انحسار أحداث ما سُمّي بـ»الربيع العربي» اليوم تعطي لكثير من الدول التجربة الملائمة ليتغيّر سلوكها تجاه الداخل، فهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.