لا أحد في أيامنا هذه يشك في أن منطقتنا العربية تتعرض لأخطار جمة، فمنذ حدوث ثورات الربيع العربي، وكثير من دولنا تتعرض لفوضى لا حدود لها جند لها جماعات متطرفة، بعضها بلغ من الخطورة حدًا منع حدوث تغيير في تلك الأقطار لصالح مواطنيها، بل إن ما حدث منعهم العمل من أجل تطوير الأوضاع في بلدانهم لما هو أفضل وأكثر تقدمًا.
وبنظرة عجلى على ما حولنا يتضح بما لا يدع مجالًا للشك أن تونس حتى هذه اللحظة، وهي أولى أقطار الربيع العربي تتعثر سياسيًا واقتصاديًا، وتعاني من جماعات متطرفة من السلفية الجهادية يعيثون في البلاد.
وفي اليمن على حدودنا الجنوبية تنتشر فيها فوضى بسبب جماعات متطرفة لا تجعلها تهدأ، وكلما عنّت حلول سياسة نشطت هذه الجماعات، حتى لم تعد الحكومة تستطيع العمل من أجل غد أفضل.
وفي ليبيا تدب في ارجائها فوضى لا حدود لها، تنشط فيها جماعات متطرفة متعارضة، يقاتل بعضها بعضًا، ولا يتاح لنظام جديد أن ينشأ، ولم يستطع العقلاء أن يفعلوا شيئًا لإعادة الهدوء إلى البلاد.
وفي العراق منذ احتلال الولايات المتحدة الأمريكية له والأوضاع في تدهور دائم، وما يجري اليوم على أرضه نتيجة حتمية للفوضى التي انتشرت فيه والتي بشرت بها وزيرة خارجية الإدارة الأمركية آنذاك، وظهور «داعش» إنما هو تغيير في القشرة للقاعدة التي عملت فيه من قبل، وتستهدف كثيرًا من أقطارنا العربية، والإدارات الأمريكية المتعاقبة هي ما أنشأت في العراق نظامًا طائفيًا أسوأ من نظام صدام حسين نفسه.
وننتقل إلى مصر التي كادت أن تنضم إلى منظومة دول الربيع العربي التي انتشرت فيها الفوضى لولا أن منّ الله عليها بما أعاق هذه الفوضى، وإن كانت تعاني أيضًا من جماعة متطرفة لها جلبت إليها جماعات أخرى متعاونة معها، ولكن الحكومة المصرية اليوم تواجه التطرف بما قد ينهيه قريبًا.
وباقي أقطارنا تواجه خطر التطرف والإرهاب في الخليج، حيث تعمل جماعة الإخوان لإحياء جماعات متطرفة استطاعت مثلًا بلادنا كف خطرها عن الخليج زمنًا، وهي اليوم تبعثها من رقادها لتعود إلى الساحة، خاصة وأن في بعض دولنا ثقافة تساعد على إحياء التطرف مرة أخرى إذا وجد من يروج له، من قوى عالمية وبعض الدول الإقليمية التي تمارس سياسة شاذة!.
وفي المغرب حيث تعمل جماعة الإخوان لتهيئة الجو في المغرب العربي لإحياء فرع القاعدة فيه، ولا تسلم دولة من دول المغرب من هذا التطرف الذي يمكن أن يكون مقدمة لشتاء عربي بعد الربيع العربي، تأتي رياحه على كل استقرار فيه.
ولا يبقى حينئذ لمنطقتنا إلا أن تعمل في اتجاهين: الأول مواجهة فكرية مخطط لها تعترف بالأخطاء وتخطط لثقافة عصرية تواجه ثقافة الغلو والتشدد التي نتج عنها التطرف في منطقتنا العربية، ولن يكون هذا مجديًا من دولة عربية واحدة، بل من مجموع الدول التي تتوافق على خطة قومية واحدة تواجه هذا التطرف المنتشر في أوطاننا مثل ما ينتشر السرطان في جسد المريض به الذي أهمل علاجه.
والاتجاه الثاني مواجهة أمنية وعسكرية تجعل حدود دولنا مأمونة لا يمكن اختراقها، حتى يمكن القضاء على التطرف الداخلي، ومنعه أن يتسلل خارجًا إلى دولة أخرى، وبتعاون دولنا سنقضي على هذا الإرهاب وإن حاولت حمايته قوى عالمية مهيمنة من مصلحتها أن تكون أقطارنا كلها عرضة لفوضى تمكنها من تحقيق مصالها على حساب وحدة دولنا ومستقبلها.
بهذا وحده يمكننا أن نواجه هذا التطرف والإرهاب الذي أصبحنا نواجه أخطاره باستمرار، وعلى المواطنين واجب تجاه هذا أن يساهموا بجد في مواجهته خاصة النخب المثقفة وألا تصمت في مواجهته وكذا علماء الدين الذين واجبهم أكبر في هذه المواجهة ولا يقبل منهم الصمت في مواجهته أو نعت جماعاته بأنها جهادية، وهي في الحقيقة عدوة للجهاد في الإسلام، فهل نقوم بهذا هو ما نرجو والله ولي التوفيق.