كان الفقيد أول من افتتح بكلية المعلمين في مكة المكرمة قسماً للتربية الرياضية، وضع مناهجه وكان رئيساً له ومعلماً فيه
خير صحيبة لي استمعت بها، مجموعة من خيار رجالات الوطن ممن يعملون في اهم مجالات العمل الوطني الارقى، التربية والتعليم، فقد حظيت زمناً ليس باليسير اثناء حياتي الوظفية، خاصة في جزئها المشرق بعد ان عدت الى مكة بعد عملي في الطائف والخليج عقداً ونصف، وفي ام القرى للصحبة مذاق خاص، ولها اعراف حميمة لا يدرك اهميتها الا من عاش عمراً يستمتع بجمالياتها، وقد عملت في مكة في التعليم العام، اخص مدرسة الملك فيصل الثانوية، والتي كان لي فيها صحبة كريمة من رجالات التعليم البارزين، ومنهم من اتحدث عنه هنا الاستاذ الجليل محمد صالح عبدالوهاب ناظرين، احد قدامى رجال التربية والتعليم بأم القرى، وفي مجال تخصصه (التربية الرياضية) من اقدمهم حيث حصل على شهادة معهد التربية الرياضية بحلوان في مصر عام 1383هـ/1963م وعمل معلماً للتربية الرياضية في مراحل التعليم العام، ثم في كلية المعلمين بمكة التي عملت فيها ايضاً مدرساً ورئيس قسم، ثم ختم حياته مشرفاً تربوياً، وكان رحمه الله واسكنه فسيح جنانه، ذا ذاكرة حية تختزن الاحداث التي مرت بها ام القرى خلال حياته، وله معرفة بآثارها ما زال منها وما بقي، واسع المعرفة بعادات اهلها وتقاليدهم، عرفته رضي النفس مطمئنها، له قدرة فائقة على الاندماج في مجتمعه، وله القدرة الفائقة على انشاء الصداقات والوفاء لها، ولا ازال حتى هذه اللحظة احفظ له انه حينما انتقلت للسكن في جدة كان اكثر صحبتي المكية سؤالاً عني، دائم الاتصال بي، وقد احببت فيه الزميل الكريم على نفسي، وحسن صلته بالله وحبه العميق لسيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم محباً للعلم والعلماء مقبلاً على القراءة، خاصة في العلم الشرعي، وفي صفاء الايام كان حديثنا متصلاً عبر مودة تدوم، ولعلي في فترة المرض انشغلت بمرضي عن احبابي، وقد اتصل بي اخي المربي الفاضل عثمان احمد بكر هوساوي مساء يوم الاربعاء 27/2/1434هـ وعرضاً اثناء المكالمة اخبرني انه كان في عزاء صديقنا المشترك الحبيب محمد صالح عبدالوهاب ناظرين، وقد انتهى العزاء، فاحزنني الخبر، واحزنني اكثر ان الاخوة بمكة لم يخبروني بنبأ الوفاة حينها لأكون في العزاء، بل وفي وداعه يوم واروا جسده الطاهر في مقابر المعلاة، التي نزور فيها من مضوا من احبابنا كلما وارينا بدنا عزيزا علينا نودعه يوم انتقاله للرفيق الاعلى، وزميلنا العزيز صالح ناظرين من احب من صحبنا، علمنا صلاحه ولا نزكيه على الله فهو به اعلم، ونرجو له ان يكون مقامه عنده مع خيار الصالحين من عباده، كان يرحمه الله قوي العزيمة، حمل شهادة من معهد رياضي في العاصمة المصرية، فلم يهدأ حتى اضاف اليه مؤهلاً جامعياً، وقد بلغ الخمسين من سني عمره، وهو لا يحتاجه من الناحية الوظيفية، ولكنه الطموح الذي كان يدفعه طوال عمره لمزيد من العمل الجاد في مجاله التربوي والتعليمي، كان اول من افتتح بكلية المعلمين بمكة المكرمة قسماً للتربية الرياضية، وضع مناهجه وكان رئيساً له ومعلماً فيه، وحينما انضم للإشراف التربوي، كان ذا نشاط وافر يمنح زملاءه المعلمين خبرته راضياً يدفعهم بذلك الى مزيد من العمل الجاد للارتقاء بتدريس التربية الرياضية وعمل في المجال الرياضي فكان حكماً دولياً في الطائرة والسلة وكرة القدم، وقد ساهم في الاشراف على طلبة البكالوريوس في جامعة ام القرى، قسم التربية الرياضية، وكما اهتم بتخصه واجاد فيه، تاق الى تحصيل شيء من العلوم الأخرى، وكما أجاد عمله الرياضي قدمه للناس من خلال أول برنامج رياضي عبر التليفزيون عند انشائه عام 1386هـ، انه نموذج راقٍ لرجالات ام القرى المتنوعي المواهب، التي تعيش فيهم ام القرى بتراثها العريق، وعادات وتقاليد أهلها الجميلة، وهو دوماً مقبل على اخوانه مقدراً لهم معيناً لهم ما استطاع الى ذلك سبيلاً، ان حدثته عن رواد التعليم اشبعك حديثاً عنهم وان سألته عن الفن المكي، اغرقك بمعلومات وفيرة عنه، وعن رواده وعن الوانه، وان حدثته عن مكة وآثارها واسواقها وحاراتها سمعت منه الكثير، هو ابنها البار، الذي احبها وقضى العمر كله فيها لم يغادرها الا لماماً ولضرورة قصوى، وشاء الله ان تكون وفاته في رحابها ليدفن في خير مدافنها، فاللهم ارحمه الرحمة الواسعة وتخير له ربي مقاماً اسمى في الجنة فانت من تسمع الدعاء وتقبله يا ارحم الراحمين.