وسنضرب المثل بتناول قضية مهمّة برز حولها قول غير مسؤول ألا وهي عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها، فالمؤمنة بهذا الدّين الحنيف تطيع الله بالتزام حكمه بأن تعتدَّ أربعة أشهر وعشرة أيام تطبيقًا لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وإنما زادت العدة لمن توفى عنها الزوج دون غيرها من النساء، أن المؤمنة وفية لزوج عاشرها وعاشرته، خاصة إذا كان ممّن يحسن عشرة النساء، ويفي لهن إذا أحسن عشرته، ثم تطيع الله بما أوجبه عليها من الإحداد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشرًا)، وقال الإمام ابن قدامة -رحمه الله-: (ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها)، وقد أجمعت الأمة على وجوبه، واستنبط العلماء ما تجتنبه المحدّة من الأشياء كلباس الزينة والطيب، ولبس الحلي، فعن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحدّ المرأة فوق ثلاث إلاّ على زوج، فإنها تحدّ أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس مصبوغًا إلاّ ثوب عَصْب «برود يمانية»، ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا إلاّ أدنى طهارتها إذا طهرت بنبذة من قسط «العود»، أو أظفار «نبات عطري يشبه الأظفار»، وأخيرًا لا تخرج من بيت الزوجية الذي مات فيه الزوج إلاّ لضرورة في الليل، أو حاجة بالنهار، فعن كعب بن عجرة عن عمّته زينب: أن فريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه-، أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسأله أن ترجع إلى أهلها، في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب اعبد له ابقوا -فروا- حتى اذا كانوا بطرف القدوم -موضع- لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع الى أهلها فإني لم يتركني في سكن يملكه ولا نفقة، فقال رسول الله: نعم، فخرجتُ حتى كنتُ في الحجرة أو في المسجد دعاني فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي. قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا. وقال الفقهاء: إن طرأ على المحدة ما يقتضي تحولها عن المسكن الذي كانت فيه مع الزوج لا تأمن على نفسها ومالها فلا بأس أن تتحول إلى مسكن آخر يتحقق لها فيه ذلك، ولم يقل أحد أن الشرع أمر بحبسها حتى تنتهي العدة، فإنه إذا كان هناك ضرورة لخروجها كزيارة قريب لها يحتضر مثلاً فلها أن تخرج ولو بالليل، وإذا كان أحد والديها مثلاً مريضًا فلها أن تزوره نهارًا، ولو لم يكن لها من يشتري حاجتها من السوق خرجت لجلبها، وعامة نساء المؤمنين يفعلن ذلك على مدى الزمان منذ بعثة سيد الخلق، وحتى يوم الناس هذا. ولكنا ابتلينا في عصرنا بمن لا يتورعون عن نقد الدّين وهم يجهلون أحكامه، ويلتقطون ممّا أثر عمّن يريدون تشويه الإسلام كالمستشرقين، الذين كانوا يرون في عدة المتوفى عنها زوجها انتقاصًا للمرأة، ويشيعون هذا بين جهلة المسلمين بمن لا علم لهم بالشريعة، وهو ما قرأناه مؤخرًا في إحدى صحفنا من افتراء على الدين وأحكامه، فهذه كاتبة ترى في العدّة والإحداد خنوعًا من المرأة لثقافة ذكورية ومغيّبة بفعلها فتواصل سجن نفسها أربعة أشهر وعشرًا مطمئنة إلى أنها تقضي مدة السجن عبادة لله بواسطة التعبد للزوج المتوفى، وترى أن هذا أمر غير منطقي، بل وتزيد عتوًا حين تراه استعبادية فرضها -كما تزعم- التراث المأفون بأكاذيبه المسترشدة، وهي لا تدري عظم ما ارتكبت من إثم حين وجّهت لحكم الله وشرعه ألفاظًا قبيحة، فإلى متى يستمر هذا العبث، دون رادع من ضمير حي، أو عقوبة ناجزة؟ اللهم أسألك أن تعيد هؤلاء إلى دينهم، وتكفّ شرّهم عن دينك.