التنوير والاستنارة كلمات تلوكها كثير من الألسنة ودلالتها الحقيقية غائبة ، وفي زمان الفوضى غير الخلاقة، التي تدمر اليوم كثيرا من أوطاننا العربية، تنطلق ألسنة دعاة الشر ومثيري الفتن بلون هذه الكلمات دون وعي، والذي لا شك فيه أن من أنار الله بصيرته قبل بصره وهداه الى الخير سيستنير عقله ويطمئن قلبه حينما يعرف معنى التنوير حقيقة.
وهو القائم على أعمدة ثلاثة وردت في الحديث الصحيح الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبته الى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد إخبرني عن الاسلام، فقال له : (الاسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) ، قال : صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال : أخبرني عن الايمان قال : (أن تؤمن بالله وملائكته ورسله، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) ، وقال : صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال : فأخبرني عن الساعة قال (ما المسؤول بأعلم من السائل) قال : فأخبرني عن أماراتها قال : (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) ثم انطلق فلبث ملياً ثم قال: (يا عمر أتدري من السائل، قلت : الله ورسوله أعلم، قال : (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
فهذا الدين أعمدته التي يقوم عليها إيمان معلوم الأركان لا يغيب عن ذهن مؤمن ينعقد عليه القلب ويرسخ فيه، ينطق به، ثم يعمل بمقتضاه والا لم يتحقق ايمانه، واسلام له أركان خمسة كما في الحديث يقوم بها المسلم ويحرص عليها وإن أسقط منها شيئاً سقط دينه ، ثم لا يكفي ذلك ليكون مسلماً بل لابد من مراقبة لله في كل ما ينطق أو يفعل أو يعتقد فان لم يرض عنه الله فقد ضاع دينه، والتفاصيل الدقيقة لكل ذلك تكفلت بها علوم الاسلام كلها، ومن أدعى جهلاً انها ليست علوماً، وأنه يستطيع ان يعلم الدين بكل حقائقه ثم يشرح نصوصه ويفتي في قضاياه دون العلم بها فهو معتوه لا يدرك حقائق الدين او الواقع شيئاً ذا بال.
وبعد نشر الفوضى في عدة اقطار وتهييج الناس فيها حتى اصبح نشرها على بعض الألسنة اصبح إطلاق الالسنة في انتقاص الدين وعلومه وعلمائه على مر الزمان من لدن التابعين وحتى اليوم وظيفة أناس اذا استمعت الى أحدهم أدركت عظيم جهله ولكنه مدفوع لذلك بخطة ممنهجة، كهذا الذي من فوق احدى شاشات القنوات الفضائية في مصر يهذي كل يوم بأن الدين ليس علماً، وكل علومه باطلة والعلم هو ما يقوله، يسب ويذم خيار علماء الاسلام، بل وتمنى لو أنهم أحياء ليقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن يحرق كل تراث للعلوم الاسلامية أو يدفنه، وتراه كل ليلة يقئ ما في صدره من حقد على الاسلام وأهله وعلمائه ويتابعه قوم غيبت عقولهم، حينما يرون ان ما يقوله تنويراً، ولو أن رواية سيرة شاذ طالب أحد بأحراقها أو تقطيعها أو دفنها، كما يطالب هذا المعتوه بأن يفعل بتراث الاسلام كله، لسمعتهم يرفعون أصواتهم بأن هذا عدوان على حرية التعبير والفكر وأنه همجية يجب ان تختفي في تناقض عجيب ومريب، ولكن هؤلاء لا يعلمون أنهم زائلون سريعاً وإلى مزبلة التاريخ يستودعون، أما الاسلام وعلومه وعلمائه فباق حتى تقوم الساعة، لا يضره عته المعتوه وسوء أدبه وفجوره في خصومة من طرف واحد، فأللهم أنت من تعهدت بحفظك دينك فأشغل هؤلاء بأنفسهم وردهم إليك تائبين علهم يحمون انفسهم من غضبك.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …