في الأشهر الماضية كشفت الأحداث في بلدان ما سمي بالربيع العربي، أن في بلادنا ممن ينتسبون إلى هذه الجماعات المتطرفة فكرًا وسلوكًا، بل ولأخطرها، ممن يكفرون المجتمعات ويستعملون السلاح في محاولة يائسة لإرغام الناس على قبول أفكارهم ومناهجهم الموغلة في التطرف، وتشجع بعضهم بعد أن وجدوا أن حرية التعبير قد اتسع نطاقها، ولوجود وسائل الاتصال الاجتماعي، فظنوا أن الفرصة سانحة أن يورطوا هذا الوطن في ما تورطت فيه بلدان أخرى عندما قبلت بهذه الجماعات وأباحت لها إنشاء الأحزاب والمشاركة في العمل الوطني والسياسي، فحصدت على أيدي المنتظمين في سلك هذه الجماعات ألوانا من الشرور، فانتشرت الفوضى، وساد الهرج والمرج، فسالت الدماء على أرضها وأزهقت الأرواح المعصومة وسرقت الأموال التي دعا الشرع لحفظها، وولغ هؤلاء في الأعراض التي جاءت أحكام الشرع لتصونها، والأحداث دومًا تدق الأجراس لينتبه الغافلون، وقد أخذت عصبة من العقلاء على عواتقهم أن ينبهوا لخطورة ما يحدث، فلما استولى الإخوان في مصر على الحكم، وبدأ بينهم وبين الشعب المصري الاختلاف، بدأت أذيال لهم في بلادنا تربوا على أيديهم وللأسف في بعض مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا في غفلة منا إلا القليل من أمثالي الذين بُحّت أصواتهم وكلّت أقلامهم وهم يحذّرون من انتشار أفكار هذه الجماعة وجماعات أخرى من تحت عباءتها دون أن يستمع إليهم بجد أحد، وقد توقعنا ما حدث في مصر ويحدث حتى اليوم، ذلك أن هذه الجماعة منذ أن نشأت في مصر عام 1928م، وهي لا هم لها إلا الوصول إلى سدة الحكم لتتحكم في الخلق وتنتقم منهم لأنهم لم يقتنعوا قط بما تعرضه عليهم من بضاعة كاسدة عرضتها على المسلمين قبلهم جماعات مكفرة تعمل سرًّا ثم علنًا للسيطرة على مقدرات الشعوب الإسلامية وفشلت مرة بعد أخرى، ولكنها ظلت تكمن فترة حتى يكاد ينساها الناس، وتنشط مرة حتى تكون عبئًا على المجتمعات، وعندما نشط في مجتمعنا المنتمون إليها تنظيمًا أو إعجابًا بمنهجها بظهور الجماعة في مصر واستيلائها على الحكم، ثم بسقوطها مؤخرًا، أثبتوا أنهم مجرد أتباع لها لا يملكون فكرًا ولا علمًا، فهذه الجماعة لها أدبياتها المعروفة والتي يمكن لكل أحد أن يطلع عليها خاصة مؤلفات مرشديها، وأهمهم مؤسسها حسن البنا ونصائحه للجماعة بما يشبه العزلة حتى لا يطلع الناس على أنظمتها واعتباره أن جماعتهم هم المسلمون، بل ويبلغ به الإعجاب بهم أن يعتبرهم صحابة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ورسائله المملوءة حماسة لإقامة مجتمع لا يستطيع إقامته سواهم، وفيها مما لا يقبله الإسلام الكثير، ومن يقرأها بتمعن وتدبر غير متعجل سيكتشف من ذلك الكثير، ثم يأتي دور فكر سيد قطب الموافق لفكر الخوارج في تفسيره وكتابه (معالم في الطريق)، وقد رأينا السلوك واضحًا خلال فترة حكمهم وبعده، وسمعنا منهم ما يخالف أحكام الإسلام من الكذب الذي لا يتورعون عنه ما دام يخدم غاياتهم، والغدر بالعهود، فما اتفقوا مع أحد ووفوا له، وما وعدوا بشيء وأنجزوا الوعد، وما خاصموا إلا وفجروا في الخصومة، وهؤلاء المنتمون لهم في مجتمعنا أو المعجبون بمنهجهم هذا العقيم، يعلمون كل هذا يقينًا، وهم على نفس المنهج يسيرون، وما عليك إلا أن تراجع مواقفهم في الأشهر القليلة التي مضت لتعرف ذلك بوضوح، لقد قرأنا لهم وسمعنا منهم التكفير لكل ما لا يقتنع بمنهج الإخوان، وبأسلوبهم الفج في الشتائم والسباب واللعن وإلقاء التهم بلا حساب، وهو ذات أسلوب تنظيمهم في مصر، فقد سمعنا من على منابر حتى القصر الجمهوري ما لا يليق من القول، ورأينا من التصرفات ما لا يقدم عليه عاقل، ورأينا قنوات يزعم أصحابها أنها إسلامية ويتحدث من خلالها من يزعمون أنهم دعاة وهم يشتمون مخالفيهم ويسبونهم ويتهمونهم بما ليس فيهم، بل ويؤيدون الإخوان بالادعاء بأنهم رأوا في المنام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقدم الرئيس مرسي في أن يؤمه في الصلاة، ويرون من المنامات ما يجعله من أولياء الله الصالحين، وسمعنا أن جبريل زارهم في رابعة التي كانت تجمعًا شكا منه سكّان المنطقة، وكثير من المواطنين الذي مروا به، ورغم أنهم أنذروا مرارًا ليتفرقوا لكنهم أصروا فلما فرقوا بالقوة سمعنا دعاوى حتى الآن لم يثبت بالدليل صحتها، وقع موت ولكن كم هم الضحايا ولم يستطع أحد أن يجزم بالأعداد، ولا يزال القتل مستمرًا ولا يعرف من يقتل من، ولكن الجميع يقرون أن في البلاد إرهاب حقيقي بالمتفجرات وبالمنتحرين الذين يفجرون أنفسهم بين الناس وبالسيارات المفخخة والعرض مستمر، والمستفيد من كل هذا معروف، ونحن في هذا الوطن الغالي لن نرضى أن يكون فيه مثل هذا وسندفع أراوحنا ثمنًا لدرء هذا الخطر، فليعلم هؤلاء هذا ويتيقّنوه، فلن نقبل بجماعةٍ كهذه، لما يعرفون ونعرف، فهم الذين يستبدلون الأدنى- وهو منهج هذه الجماعة المتطرفة- بما هو خير وهو ما نحن بحمد الله عليه من التمسك بديننا في أرضنا الطاهرة، نحكم بشريعة الإسلام حتى وإن وقعت في التطبيق بعض الأخطاء الطفيفة، فمن يطبقون بشر يقع منهم الصواب والخطأ، ولا يزايد علينا أحد في هذا الباب، وقد فتحت بلادنا ذراعيها للإخوان حين ادعوا أنهم ضحايا ظلم وقع عليهم، وسمح لهم أن يسيحوا في أرضنا كما شاءوا ووظفوا في التعليم رغم أنهم ليسوا أكفاء فما جنينا من ذلك إلا تركوا بعدهم خلايا من أبنائنا نائمة، استيقظت حينما ظنوا أن الإخوان إذا حكموا مصر يمكنهم أن يسيطروا على سائر البلدان العربية ولكن الله أركسهم وأذهب ريحهم وتفرق جمعهم، فهل يكفون عن أساليبهم الرديئة؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.