الردود العقدية الرديئة المكفرة ( كتاب الرد الشامل )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جمع الأمة على شهادة أن لا إله إلا الله, محمد رسول الله, وعصم بها دماءهم, وصان أعراضهم, وحفظ أموالهم, وكبَّل أيديهم عن النيل من بعضهم بعضًا, وألجم ألسنتهم عن أن تقع في أعراض من خالفوهم من إخوانهم, وأصلي وأسلم على الهادي البشير سيدنا رسول الله, الذي أمرنا بأن نقول خيرًا أو نصمت( ), وحذرنا من سقطات اللسان التي يكب بها الخلق على وجوههم أو مناخرهم في نار جهنم( ) وهم يلقونها هكذا جزافًا دون أن يلقوا لها بالاً.
وبعد:
فما زال الخلاف يقع بين علماء الأمة قديمًا منذ عهد الصحابة أفضلِ الخلق رضوان الله عليهم, وحتى آخر عهود المسلمين اتباعًا للحق ودرءًا للباطل حينما كانوا يقبلون على العلم الشرعي ليتعلموا دينهم, لا لينشغلوا بالبحث عن معايب يصنعونها لمن لا يحبون؛ لهوى غلب عليهم, أو دفعهم للحكم على كل مسلم: إما بكفر أو بدعة أو ضلال أو فسق, وما علموا أن ما اتهم أحدٌ مسلمًا بكفر إلا وقد كفر؛ فما يستحلُّ تكفير المسلمين مَن كان يعتقد ما يعتقدون؛ وأن يتمسك الإنسان بما يراه اجتهادًا منه له وفهمًا يخصُّه ولو كان على خطإ, ويتحدث عنه داعيًا إليه؛ لاعتقاده أنه الحق – أمر متفق على مشروعيته, لكن أن يسعى لقسر الناس عليه, أو أن يشنِّع عليهم؛ لأنهم لم يحفلوا بما دعاهم إليه من خطإ, بل باطل صَرْف أحيانًا, فذاك – والله – انحراف في الفكر والعمل, بل هو الرزية التي حلت بالمسلمين منذ أن تشعَّبت بهم الطرق, وتعصَّب كل فريق منهم لمذهبه وفرقته, وأصبحت البغضاء بينهم هي الأصل, والتوادُّ والتراحم والتعاطف المدعوُّون إليه, والاعتصام بحبل الله الذي يحميهم من التفرُّق هو الفرعَ الذي لا يُلتفت إليه, ومن هنا ظهر منهج الردود على ما يعتبره الرادُّ خصمًا له مناهضًا لفكره ومعتقداته, حتى ولو لم يكن كذلك في واقع الأمر؛ لمجرد توهُّم أنه ما لم يكن على نفسِ فِكْرِه ومعتقده فهو عدوّ له يجب أن يلاحقه أشدّ الملاحقة, وإن قدر على إيذائه فعل, بل إن استطاع محوه من الوجود لَمَا تأخر! هكذا وجدنا صراعًا محتدمًا بين المعتزلة وأهل الحديث – أو الأثر – منذ بداية القرن الثالث, وهو الأمر الذي انعكس على تاريخنا الإسلامي بكثير من السوء؛ حيث انشغل الناس بالاختلاف في مجال العقيدة في قضايا ليست مما يُحكم فيه للناس بإيمان أو كفر, وحتمًا لا يُسألون عنها بين يدي الله يوم القيامة, وليس لها شأن في ترقّي دنياهم التي هي مزرعة آخرتهم:
أ‌- كالاختلاف حول أفعال العباد أهي لله مخلوقة؟ أم للعباد اختيار مستقلّ بها؟ وكذلك الاختلاف حول القرآن الكريم مخلوق هو أم كلام لله نفسي بلا حرف ولا صوت؟ أم هو كلام لله صادر عنه بحرف وصوت؟
ب‌- كذلك الاختلاف حول رؤية الله في الدنيا أو الآخرة مما اشتغل به المتكلِّمون من الفقهاء, ومثلهم من متكلِّمة المحدِّثين والمُدَّعين السلفية, حتى إن هذا الانشغال مع ما اعتوره من العداء والخصومة صرف كثيراً ممن انتسبوا للعلم الشرعي عن المهمّات, فلم نجد اليوم لدينا في مجالات عدّة ما نحن إليه في حاجة ماسّة: كالنظام السياسيّ ملامحه وأساسياته وصور تطبيقاته مما هو لنا نجاة في هذا العصر المدلهمّ الأخطار, والذي أدَّى إلى ضعف المسلمين وتأخرهم أولاً, ثم اجتراء عدوّهم عليهم, ولا يزالون مختلفين حول القضايا التي لا تعود عليهم بنفع في دين ولا دنيا.
وإننا إذا نظرنا إلى ما يصدر في بلادنا – أعزها الله وأغلاها – عن دُور نشر عديدة لا تجد فيه كتابًا واحدًا يقدِّم اجتهادًا في المجالات العصريَّة في النُّظم الاجتماعيَّة والسياسيَّة والإداريّة والاقتصاديّة, مما يرقى بالأمّة, ويزيل عنها ركود الفكر الذي عانت منه في ظلّ الخلافات المتصاعدة, فنحن حتى هذه اللحظة نردِّد ما كتبه عليّ بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي, المتوفى عام 450 هـ عن الأحكام السلطانية, وما تبعه بنفس المسمّى أبو يعلى الحنبلي, ثم ما كتب عددٌ من الفقهاء حول قضايا الأموال والحرب وسياسة الرعيّة, مما لم يرقَ إلى أن ينبثق عنه نظامٌ سياسيُّ معتبرٌ يهيِّئ للمسلمين ما يردُّ عنهم غائلة الاستبداد, أو وهن نظم الحكم المتفسّخة.
وفي بلادنا – حرسها الله – تعدّدت الردود في مجال العقيدة, وكثرت كثرة بالغة, حتى تخصّص عندنا آلاف من الأكاديميين الذين لا همَّ لهم إلا هذا الأمر, ونوقش في جامعاتنا الرسائل الكثيرة التي تناقش قضايا القَدَر والجبر والإرجاء, وتتحدث عن فِرَقٍ لا نجد لها في التاريخ أثرًا إلا في كتب مَن يُعلنون أنهم على خلاف, مذاهبها؛ كالمرجئة والقدرية والجهمية, وأصبح شغل مساجدنا الشاغل وحلقات العلم فيها هذا الأمر.
وما عليك سوى أن تتجول عبر مواقع الإنترنت, وستجد مواقع كثيرة لمساجد عندنا تشتغل بدروس من هذا اللَّون تؤكِّد على الاختلاف والافتراق, ولا تدعو إلى الوحدة والائتلاف, وستجد كل هذه القضايا حاضرة في دروسها ومحاضراتها, ولن تظفر – إلا ما ندر – بمحاضرات تدعو إلى أُلفة ومودّة, أو تقدم اجتهادًا لمشكلات في العصر ملحّة في سائر جوانب الحياة التي تنهض بتحسين نظم الأمّةُ. وإن العاقل اليوم ليأسى على وضع كهذا, فما نشأ العنف إلا من طَرْقٍ مستمرّ على حديد الفرقة وهو ساخن, فمن يجد أن سائر مَن حوله من المسلمين هو ممن تُطلِق عليهم هذه الحلقاتُ والدروس والردود كفارًا, أو أسوأ من اليهود والنصارى, أو فساقًا وضلاّلاً, أو على أقل تقدير مبتدعة: بعضهم كافر ببدعته, وآخر تفسّقه بدعته؟! وحتمًا من يُقَرُّ على الإسلام منهم هو من أهل القبلة يُعترف به عند الحاجة إلى تكثير الجمع, ويُعادى إن لم يحتج إليه! هذا حالنا الذي نحزن له, ونسأل الله أن يردّنا إلى صفاء ديننا ردًّا جميلاً.
والردود إذا اعتمدتْ على منهج علميّ صحيح, يسعى بها صاحبها إلى بيان الحقّ, وإقامة الأدلة والبراهين عليه – فهي التي تساهم – ولا شكّ – في إثراء الحركة الفكرية ما التزمتْ بآداب الحوار, وعنيتْ بالصدق عند مناقشة أفكار المخالف واستيفاء حججه, والالتزام بأن لا يردّ إلا على ما صدر عنه, لا ما يدّعي أنه نية في صدره يخفيها, أو لازم قول له يفهمه خصمه بداعي العداء له, أو ينقله عما هو له مخالف, فكلّ هذا هو المنهج الرديء الذي قصدتُه بعنوان كتابي هذا للردود المنتشرة اليوم في بلادنا, والتي جعلتُ لها نموذجًا ما كتبه الأخ عبد الله حسين الموجان, أعني كتابه “الردّ الشامل على عمر كامل”, الذي نشرتْه دار نشر اسمها مركز الكون في جدة؛ ففيه كل مثالب الردود التي أشغلتْنا عن المهمّات, وأعطت للشباب منا الصورة المشوّهة للدعوة إلى الله التي تنتهي بكثير من النقائص التي اعترتْ ما أسميناه الصحوة الإسلامية التي كنا جميعًا يومًا نؤيّدها فرحًا بالعودة إلى دين هو الأصل في حركة حياتنا, ولعلّي في هذه العجالة أشير إلى بعض هذه النقائص التي كانت لها آثار مدمرة لنتجنَّبها بإذن الله, فالخير يُعان عليه, والشر يُدرأ, والله المستعان.
عبد الله فراج الشريف
جدة/ ضحى يوم الثلاثاء 26/5/1428هـ

الردود العقدية الرديئة المكفرة (كتاب الرد الشامل)

قراءة الكتاب
تحميل الكتاب

About عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

Check Also

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: