الردود العقدية الرديئة المكفرة ( كتاب الرد الشامل )

وسائل العلم

الحقيقة أن من يقرأ مقدمة الكتاب “كفى تفريقًا” يدرك أن صاحب كتاب “الرد الشامل” يعترض على نفسه؛ فليس في كلام الأول ما يعترض عليه عند الثاني سوى التسمية؛ فالسمع والبصر والفؤاد هل هي وسائل علم أم منافذ له؟ فهو يسميها منافذ, ولا يسميها وسائل, وذلك لا يقدم ولا يؤخر, فهذه وسائل لتحصيل العلم, وأمّا أن الله يهبُ لعباده علوماً ليست من خلال هذه الوسائل كمعجزة عيسى – عليه السلام – حينما تكلّم في المهد صبياً: فلا يعني ذلك أن تحصيله للعلم ليس عبر هذه الوسائل, ولا علاقة لهذا بالتسمية أصلاً, وأن تسمى هذه وسائل للعلم, أو وسائل للتعليم, أو منافذ للعلم وهي المصطلحات التي ردّدها صاحب “الرد الشامل” فهي لا تردّ على ما أورده صاحب “كفى تفريقاً”.
أمّا اعتبار أن العقل فقط غريزة وظيفتها تمييز الإنسان عن الحيوان! فهو شيء يخصّ الموجان كاتب “الرد الشامل” ولا أظن أحداً يوافقه عليه, وله فهم سقيم في علوم الآلة.
ورغم أن الموجان قد فحص ما قاله الدكتور عمر في مقدمة ما كتب تحت هذا العنوان, إلا أنه يردّ على ما لم يقله أبدًا, فهو يظن – حسب فهمه- أن الدكتور عمر يؤكد أن النقل والعقل يتعارضان فيقدم العقل على النقل, والدكتور عمر يقول بصريح العبارة: “التعارض غير متصوّر بين العقلي القطعي والنقل القطعي, ومتصور في غير هذا, فإذا وقع تعارض فالمقدّم هو القطعي مطلقاً سواءً كان النقليّ أم العقلي. فوجه الترجيح والتقديم ليس كونه – أي الدليل- عقلياً أو نقليًّا, بل كونه قطعياً أو لا, وإذا تعارض ظنّيّانِ كان المقدّم الأقوى مطلقاً “( ).
وهو هنا يلخّص كلام الرازي, ولكن أنّى يدرك هذا مثل الموجان الذي يقول: “أما مسألة تعارض العقل والنقل: فالصحيح أنه لا يتعارض معقول صريح مع منقول صحيح؛ لأنهما إن كانا قطعيَّين فتعارضهما جمع بين النقيضين”( ).
ولا أدري كيف يكون التعارض – وهو تناقض وتنافر- جمعاً بين النقيضين؛ فهما لا يجتمعان معًا ولا يرتفعان معًا, بل لا بدّ من بقاء أحدهما وهذا مقتضى كلام الرازي الذي نقله الدكتور عمر! ولكن مَن اشتغل بغير فنّه أتى بالعجائب!
وهذا بيان ما لم يفهمه الموجان:
فابن تيمية – يرحمه الله – ومن سبقه من علماء الأشاعرة – يرحمهم الله – كلهم يرى أن التعارض غير ممكن بين قطعيين عقلاً ونقلاً, بل هو غير متصور أصلاً؛ فصريح العقل لا يناقض صحيح النقل, أما كون صحيح النقل هو الآحاد, وإن عارض صريح العقل: فذاك ما لا يقول به أحد, فحتى المحدّثين يرون عند نقد المتن أن يُعرض على العقل فما ناقض صريحه فليس بحديث, وكثير من الأحاديث الموضوعة عُرفت من هذا الطريق, لكن الموجان لا علم له بكل هذا؛ ولهذا أكَّد أن النصوص جاءت بالصُّورة لله! وأكّد حديث رؤية الله في المنام, فهذا مقتضى فهمه للنصوص وإعمالها.
ثم يعود صاحب “الرد الشامل” لقضية مصطلح أهل السنة والجماعة, “ومن هم المعيُّنون به: أهم جمهور الأمة؟ أم فئة قليلة لهم احتكار هذا الاسم؟ ولعل لفظ “الجماعة” في المصطلح للدلالة على هذا المعنى, ثم إن القول بأن مصطلحًا وضع للدلالة على جماعة من الناس لم يردْ به نصٌّ, حتى لو صحّ ما ذكره الموجان عن ابن عباس – رضي الله عنه- مما لم يردْ في “الصحيحين” ولا في السنن ولا في المسانيد ولا أظن أن نسبته إلى ابن عباس – رضي الله عنه – تصح( ).
والمصطلح متأخر الظهور بعد وفاة ابن عباس بزمن, وأما مصطلح (أهل السنة والاتباع) الذي صكه الدكتور سفر الحوالي – عفا الله عنه- وهو فيه مسبوق – ليتجنب به ذكر لفظ الجماعة, فهو شأنه, ولا مشاحَّة في الاصطلاح, وكلٌّ عند نفسه متّبع للرسول ولسلف الأمّة الصالح في خير القرون, والادّعاء بأن ذلك حصر على فئة وجماعة تحكُّم بلا دليل.
والموجان يتحدّث عن عقيدة له تخصّه, يزعم أنها مسندة إلى النبي والصحابة والتابعين لهم بخير – هكذا نصه-( ), ويقول: إنها “بالأسانيد” موثقة, وكتب السنة شاهدة بذلك”( ), وكأن جمهور المسلمين عقيدتهم مخالفة لذلك, هداه الله تعالى للخير حقاً وردَّه إلى طريق السلف حقاً حتى لا يكفِّر أحداً أو يبدِّعه تبعًا لهوى نفسه, ولا يدّعي لنفسه ما هو على خلافه, بل هو يضادّه بأقواله, ودعوى الاتباع كلُّ أحد يستطيع إطلاقها, ولكن البرهان في الفعل, فمن يدّعي اتباع سيّدنا رسول الله وأقواله, وأفعاله على خلاف هديه إنما يدعي أمرًا هو أبعد الناس عنه, ولعل هؤلاء المكفِّرة أول الناس ارتكاباً لهذا الفعل السيئ, وسيراً على هذا المنهج الأسوإ الذي يفرّق المسلمين ويوقع العداوة والبغضاء بينهم.

من هم أهل السنة وهل الأشاعرة منهم؟

لا أظن أحداً قد أوتي من العلم نصيباً يطرح مثل هذا السؤال؛ فأهل السنة والجماعة مصطلح تحرَّر للدلالة على من استقاموا على هدي النبي, وكانوا بين الفِرَق وسطاً, وهم غالب جمهور الأمّة المسلمة التي منها – ولا شكّ – المعتزلة والشيعة, وهما مع أهل السنّة أصول الفرق المنبثّة في الفكر الإسلامي. وإذا أطلق هذا المصطلح أُريدَ به مقابلة المصطلحين الآخرين.
ويَعيب صاحب “الرد الشامل” على الدكتور عمر كامل نَقْلَه كلاماً للإمام السبكي وابن رشد والسفاريني! وعيبه إيّاه على ذلك فقط لأنهم أشاعرة! والغريب أن الموجان يجعل السفاريني من الأشاعرة أو ممّن وافقهم( )! وهو صاحب كتاب “لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح كتاب الدرة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضية”, وهو أثري المعتقد حنبلي المذهب, وكتابه هذا مرجع عند مَن يطلقون على أنفسهم اسم السلفية, يقول السفاريني في “لوامع الأنوار”: “أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية, وإمامهم أحمد بن حنبل, رحمه الله, والأشعرية, وإمامهم أبو الحسن الأشعري, رحمه الله, والماتردية, وإمامهم أبو منصور الماتريدي”( ). ويبدو أن تقسيم السفاريني هذا وعدّه الأشعرية والماتريدية من أهل السنة أغضب الموجان فأعرض عنه!
وحينما لا يرى الموجان أن السبكي وابن رشد والسفاريني ممّن يقرّر ما الذي يعنيه مصطلح “أهل السنة” فهو يستخدم أسلوب العاجز عند غياب الحجة والدليل, فيقول: “إن مثل هذا لا يروج إلا على صغار العقول”( ), ليحكم على نفسه بذلك بأنه منهم! فمن نَقَلَ عنهم تقريراً مصطلح أهل السنة هم فئة مخصوصة مخالفة للأشاعرة؛ فلا فرق إذاً بينه وبين من ردّ عليه بمثل هذه العبارات النابية.
وانظر إلى هذه العبارة: “وإنهم – أي أهل السنة: أهل الحديث- في كل زمان يتصلون بأسانيدهم إلى القرون المفضلة قبل ظهور أحداث اليونان وأفراخ الرومان ببدعهم الكلامية”( ), فهي عبارة تدلّ على العجز التام عن الردّ على المخالف بالحجّة والبرهان, فلا يبقى سوى السباب والشتائم التي يبرأ منها أهل العلم وطلابه.
وينقل عن الخطيب البغدادي صاحب رسالة “شرف أصحاب الحديث” عبارات تحصر أهل السنة في المحدِّثين, ومَن قرأ كتاب الخطيب لم يجد فيه سوى ثناء المحدِّثين على أنفسهم, وأنهم هم الفرقة الناجية, مما لا يوافقهم عليه سائر علماء الأمة, ولكن أن يدّعي أن جماعته هي الفرقة الناجية فلا يعني هذا أبدًا أن هذا هو الحق ولا أن سائر الأمّة بعد ذلك هالك, ثم يقول الموجان: “إن الأشعرية والأشعري لم يُمدحوا قط إلا بما وافقوا فيه الكتاب والسنة, وكل مَن مدحهم من العلماء إنما مدحهم لذلك, بل المصنفون منهم عندما يتكلمون عن الفرقة الناجية ويزعمون أنهم الأشاعرة يعلِّلون ذلك بمتابعة الأحاديث الصحيحة”( ), وهي عبارة تنطبق على سائر الفرق والجماعات الإسلامية, ومنهم أصحاب الحديث, ومنهم السلفيون مصطلحاً. فالممدوحون من كل الفرق على تصور المادح أنهم وافقوا الكتاب والسنة.
وأما الزعم بأن مصطلحات في علم الكلام أو علم الأصول – كالجوهر والعرض- ترّهات( ), فذلك زعم مَن لا يعرف هذا العلم, ولم يسبر أغواره, ومَن هو عاجز عن استيعاب حقائقه, والإنسان عدوّ ما يجهل.
وأمّا تلك العبارة التي يدندن حولها كثيرون مثل أخينا الموجان: أن الله لا يُحكم بأنه داخل العالم أو خارجه( ), التي لا تعني سوى شيء واحدٍ: تنزيه الله أن يحويه المكان أو تكون له جهة, فإذا كان يعترض عليها الموجان فليخبرنا هل هو ممن يعتقد أن الله داخل العالم مع المخلوقات أو خارجه؟ وإن كنتُ أرى أن استخدام مثل هذه العبارات لا ضرورة لاستخدامها إلا بين المتخصصين, لا أن يُسارع في استخدامها في كل مقام حتى في الخطب والدروس للمبتدِئة في المساجد؛ فهؤلاء الذين يزعمون أنهم على أثر السلف وينهون عن الخوض في علم الكلام هم أول الخائضين فيه, وهم أجهل الناس به.

مذهب جمهور الأئمة

ساق الدكتور عمر كامل كلاماً للدكتور سفر الحوالي في مذكرته التي ردَّ بها على الشيخ محمد علي الصابوني: “المسألة أكبر من ذلك وأخطر؛ إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم في الفكر الإسلامي, حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول, فضلاً عن كتب العقائد والفكر كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في أكثر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال” ثم علق قائلاً: “هذا اعتراف من الدكتور بأن مذهب جمهور المسلمين هو مذهب الأشاعرة والماتريدية”( ), فانبرى الموجان ليقول: إن الدكتور سفر “لم يذكر جمهور الأمة من قريب ولا بعيد أفإن جاء رجل وقال: إن الرافضة ومذهبهم (الخبيث) له وجوده الواقعي الضخم في الفكر الإسلامي, فهل هذا يعني أن جمهور الأمة من الرافضة؟”( ) سبحان الله ما هذا الفهم! ونقول: إن كلام الدكتور عمر يعني إن كلام الدكتور سفر يؤدي به حتماً إلى الاعتراف بأن مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور الأمة؛ فالدكتور سفر ليس كالأخ الموجان, بل هو عالم مطّلع, وهو بتتبعه للعلوم الإسلامية واطلاعه عليها حديثاً وتفسيراً وفقهاً… وجد أن غالب المصنِّفين من هذه الفئة التي يكنُّ لها الموجان العداء, ويستخدم في ذمّها أسوأ العبارات, كذلك هم المصنفون لكتب اللُّغة وعلومها والأصول والعقائد, وهم أرباب الفكر قديماً وحديثاً, ولهم جامعاتهم الكبرى التي خدمت الإسلام والمسلمين, كالأزهر الشريف, وجامع الزيتونة, وجامعته, وأما أن عوامّ الأمّة لا يعرفون العالِمَيْن الجليلين الأشعري والماتريدي, فهذا فقط في وهم الموجان, أما سائر الأمّة عامة وخاصة فهم يعرفونهما وغيرهما من علماء الأمّة الذين لهم في ذاكرتها الكثير مما يُحتفى به.
والخلاف بين الماتريدية والأشاعرة محدود, وغالبه خلاف لفظي, يحكم به من عرف أوجهه القليلة, وفيه كتب مؤلَّفة معروفة, وليس الموجان من أهل القدرة على فهم هذه الأوجه, فبالضرورة لا يستطيع تبيينها.

الردود العقدية الرديئة المكفرة (كتاب الرد الشامل)

قراءة الكتاب
تحميل الكتاب

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: