الردود العقدية الرديئة المكفرة ( كتاب الرد الشامل )

غاية الردود الرديئة

إن الردود إذا لم تكن لغاية بيان الحق والدعوة إليه فهي شذوذ لا يؤبه له, وانحراف فكريّ يجب أن يناهضه العقلاء.
وتتبين لك غاية الردّ من قراءة مقدمة كاتبه إن كان يريد به الحق أم أنه إنما يكتبه جدلاً عقيمًا, يظن أنه ينتصر به على من اعتبره خصمًا, فتجد في أسلوبه منذ اللحظة الأولى كذبًا وتطاولاً وسوء أدب ونلحظ قلة علم وسوء أدب, وهي صفات رأيتها مجتمعة في ردّ الموجان الذي جعلته – كما ذكرت في المقدمة- لهذه الدراسة نموذجاً, وهو كتابه: “الرد الشامل على عمر كامل” ( ) الذي منح مؤلفه نفسه درجة الأستاذية على غلاف كتابه! وإني بعد أن اطلعت عليه أدركت أن كل ما نعانيه من أفكار منحرفة زُرعتْ في رؤوس ناشئتنا قبل أن ينضجوا علمياً, إنما مصدره مثل هذه الردود التي لا غاية لها إلا العدوان على الخلق بالتكفير والتبديع والتفسيق, واتهامهم بما ليس فيهم طمعًا في انتصار عليهم بالأوهام! وأصحاب هذه الردود يرون في كل مَن يخالف فكرُه فِكْرَهم خصوصاً لم يناوئونهم, وكم تضيق أنفسهم بهم!
والناظر إلى هذه الردود سيرى أنها ذات ملامح تتفق فيها؛ لأن الوصول إلى الحق ليس غايتها, فمن ذلك:
1- إغراقها في الذم للمخالف وشتمه, فأسلوبها لا ينم عن خُلُق رفيع هو الميزة لهذا الدين الذي ربَّى أتباعه على عفة اللسان, والخشية من الله, وعدم الولوغ في أعراض المسلمين, وأنت ستجد من العبارات في النموذج الذي اخترناه هذا الأسلوب الذميم الكثير مما سيرد تباعاً, ونحن نردّ على أفكاره ونبيِّن فحش عباراته.
2- أنهم لا يردُّون على أفكار لمن ظنوه لهم مخالفًا, وإنما يخترعون له أفكارًا ينسبونها إليه زورًا وبهتانًا؛ لأنهم كانوا يتمنّون لو قالها؛ ليمكن لهم أن يردّوا عليه, وستجد هذا واضحاً جليًّا في نموذجنا المختار, فأنت ستجد أنه ينسب لمن يردّ عليه أفكاراً ليست له أصلاً, وينسب إليه أقوالاً ليست في كتابه, ويدّعي علماً بنيّاته, كل ذلك والمدعى عليه بها لم يصرح بشيء منها ومع ذلك لا نلحظ أنه خجل مما يفعل.
3- أنهم لِينتصروا على مَن اعتبروه خصماً لهم أنشأوا أحداثاً موهومة ونسبوها إليه وادَّعَوْا أنه فاعلها, وهو عنها بعيد, ولعلهم هم صانعوها.
4- الاغترار بالنفس؛ حيث تجد ردودهم مليئة بتزكية النفس, واتهام الآخر بالمعصية ومجانبة الحق.
هذه هي غاية الردود التي يمثّلها كتاب “الرد الشامل على عمر كامل”, وهذه أوصافها جلية, والتطبيق آتٍ في الصفحات التالية.

مقابلة بين الكتاب والردّ عليه

هذه مقابلة بين كتاب “كفى تفريقًا للأمة باسم السلف” للدكتور عمر عبد الله كامل الذي يناقش فيه بحثاً للدكتور سفر عبد الرحمن الحوالي عنوانه “نقد منهج الأشاعرة في العقيدة”, صدر عام 1407هـ, وطبع في 89 صفحة, ردّ فيه على الشيخ محمد علي الصابوني – والردِّ عليه الذي حمل عنوان “الرد الشامل على عمر كامل” وصاحبه المنسوب إليه هو الدكتور عبد الله حسين الموجان, صدر في 1427هـ.
وقد جاء الكتاب المردود عليه “كفى تفريقاً للأمة باسم السلف” مع فهارسه في 174 صفحة من القطع الوسط وبحرف كبير, ولو طُبع بحرف صغير – كما هو كتاب الرد- لما كان يمثّل ربعه.
كما جاء كتاب الدكتور عمر خالياً من أي عبارة ذمّ أو كلمة نابية, كان يذكر أقوال من يردّ عليه بنصّها ويعلّق عليها, ويوثّق نقوله, ويذكر مواضعها في كتب العلم ومصادره, أمّا الآخر فتقرأ له من المقدمة تهماً يسوقها لا دليل عليها, يقدح بها في شخص مَن يردّ عليه, فهو – مثلاً- يقول: “لقد سوّد الدكتور الصحائف بألوان من الفتن, لكن تحت شعارات برّاقة” ( ), ولكنه يعجز أن يذكر شيئًا منها, ويقول: بأن مؤلفات الدكتور عمر ” مما ظهر مع الفتن المتتالية التي أدّت إلى سقوط النظام في بغداد, وما يلي ذلك من ضغوط سياسية وفكرية على المنطقة”( ), ورغم أنها دعوى باطلة لا أساس لها إلا أن الدكتور يكتب في موضوعات مختلفة اقتصادية وفقهية وعقدية لا صلة لها بفتن أدت إلى سقوط بغداد, كما يزعم صاحب “الرد الشامل”, والكتابة عن الأشاعرة وما يوجه لهم من تهم قضيّة الزمان منذ ظهور الشيخ أحمد ابن تيمية – رحمه الله- وردوده عليهم في القرن السابع وحتى اليوم, ولا صلة لها بأحداث من هذا اللون, وهو أمر غريب يلجأ إليه أصحاب الردود الرديئة عند العجز عن الرد بحجّة وبرهان, فيلجأ أحدهم إلى كيل التهم, فيلقيها جزافاً, وإلا فما علاقة هذا بقضية ذمّ الأشاعرة أو الدفاع عنهم؟ وحيثما يعجز عن الردّ عمّا جاء في الكتاب الآخر( ) يتساءل: لماذا الردّ على الكتاب بعد (17) عاماً من صدوره؟ وكأن الردود إن لم تكن قريبة الزمان من صدور الكتاب لا قيمة لها, وعليه فبحث الدكتور سفر جاء بعد قرون من ظهور الأشاعرة؛ فلا قيمة له إذًا! وكذلك رسالته للدكتوراه التي تناقش ظاهرة الإرجاء التي يردّ فيها على فرق إسلامية ظهرت في القرون الثلاثة الأولى؛ فقد تأخر زمان ردّه؛ فلا حاجة إليه إذًًا!
والكتاب الذي يردّ عليه الموجان هو ردٌّ علمي منهجي على أفكار بشرية اجتهد صاحبها في أن يصيب الحق فأخطأ في نظر مَن ردّ عليه, فأبرز حججه وبراهينه, والأَولى أن يكون الرد عليه من جنس ما فعل؛ فيُردّ عليه بمنهج علمي صحيح, أمّا أن يقول: “هو من جنس الكتب التي تطلّ بأعناقها لإذكاء الفتنة”( )؛ فهذا هو العجز عن الرد بحجّة وبرهان, ولو أنه أمعن النظر في عباراته هو لعلم أنها تنطبق على ما كتب هو؛ فهو فيه يكفّر فريقًا من الأمّة, وأقلّ عبارة يستخدمها في وصفهم هي قوله: “ولا يظهر أن مقصود صاحبه جمع الأمّة ولا لمّ الشمل, فالله المستعان على هفوة مكشوفة السوأة لم ينزجر عن التعامي عنها جماعة المقلّدة وأفراخ المضِلّين”( ), ويقول: “وأتى الدكتور عمر في كتابه بما يخالف الشرائع”( )! إنه أسلوب الرداءة المفارقة لأدب الحوار, بل آداب المؤمن الذي يكفّ اليد واللسان عن إيذاء إخوانه, وعندما لا يجد الإنسان صاحب هذا الأسلوب ومثله ما يردّ به على مَن اعتبره خصمًا فليس له سوى الذمّ والدعوى الباطلة, وإلا لاستطاع أن يبيِّن لنا ما تكون به مخالفة الشرائع.
ألا يعرف أن دعاوى التكفير والتضليل والتبديع مخالفة للشريعة وهي سوء أدب محض؟!
ثم يقول عن كتاب خصمه: “فلم يكن إلا مباحث صحافية وردودًا منقولة عن غيره بغير رابط يجمعها” ( )! وهو من هذا يسوق ادّعاءً لا يصدّقه واقع؛ فليس هناك ما يسمى مباحث صحافية, والأسلوب العلمي غير أسلوب الصحافة, لكن الرجل يجهل الأسلوبين معاً, وهو يعيب ما تميّز به بحث الدكتور عمر الموثّق بإسناد الأقوال إلى أصحابها, وكتابه الذي ظن أنه به يرد على كتاب الدكتور عمر عبارة عن نقول لا رابط بينها فعلاً: كلها عن كتب الشيخ أحمد بن تيمية رحمه الله, وستجد فيما نردّ به عليه كيف أساء إلى هذا العالم الموسوعيّ بنقل مبتور لبعض أقواله فإذا به ينسب إليه أنه يقول بالجهة والصورة والجسم! وكم أساء إلى هذا العالم الجليل أتباعه!
ولو كان التأليف يعني أن تنقل من كتاب شخص ما تظن أنك تردّ به على مَن تختلف معه وحسبُ لهان الأمر, ولأصبح صغار التلاميذ مصنّفين لا يشقّ لهم غبار, ولعلّ أحداً تولى عنه الكتابة فلجأ إلى طريقة القصّ واللصق عبر الحاسب الآلي, فظهر الكتاب على هذه الصورة المهلهلة التي لا تستقيم لها عبارة ولا يفهم لها معنى, فاقرأ هذه العبارة وتمعن في مدلول ألفاظها: “ولقد كان للدكتور عمر عن امتطاء ثبج هذا مندوحة, وشيمة عند ذوي النهي سنية مندوحة”( ) وستدرك ما صنع هذا الرجل في هذا الكتاب الذي أساء إليه إساءة بالغة, لأنه كشف للخلق أن لا علاقة له بعلم شرعي أو لغة! ثم اقرأ قوله المنبئ عن عجزه: “وأن ثمة أيدي خفية ونيات مستترة خلف هذا الكتاب الله أعلم بها “( )! فإذا كانت النيات لا يعلمها إلا الله فلماذا الجزم بأن وراء الكتاب أيدٍ خفية ونيات مستترة؟! هذا كله في مقدمة الكتاب, ولا علاقة لكل ما ذكر بكتاب الدكتور عمر “البحث العلمي الموجز” الذي يقول في مقدمته: “وإنني أعلن أنني أؤمن بنجاة كل من قال: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وأحسن الظن ببواعثهم فمن أصاب فله أجران, ومن أخطأ فله أجر, وألتمس العذر للألفاظ التي بدرت من بعض العلماء في حقّ بعضهم بعضًا فهم بيد مليك مقتدر وهو أرحم الراحمين” ( ).
“وأنا هنا لا أبرّئ أحداً من الخطإ – أشاعرة وغيرهم – فكل إنسان يؤخذ منه ويردّ عليه إلا رسول الله ?, كما أنني لا أحتكر الحقّ للأشاعرة؛ فقد قامت فِرَقٌ قبل الأشاعرة تنافح عن الإسلام وتدافع عنه, نافيةً تعدّد الآلهة والثنويّة والمانوية, كما سيردُ في ثنايا الكتاب” ( ).
هكذا ختم مقدّمته مع الدعاء بالمغفرة له ولمن ردّ عليه ولسائر المسلمين.
أما صاحب “الرد الشامل” فختم مقدمته بقوله: “وقد كان ابن الجوزي يمتطي المنبر ثم يقول: “ليس فوق العرش إله, ولا في المصحف كلام الله, ولا في القبر نبي! يا معشر الأشاعرة ثلاث عورات لكم!” ( ) وما صدق؛ فأدنى طلاّب العلم يعلم أن هذا كذب محض لا يقول به الأشاعرة ولا أحد سواهم من المسلمين, ولكنها أوهام من أبغضوا سائر المسلمين وبدَّعُوهم, ثم يقول – حاسبه الله على كل قول خالف الحق والواقع -: “هلاّ سترتم عوراتكم معشر الأشاعرة, وسترتم تاريخًا مليئًا بمخالفات للكتاب والسنة, واتباع مناهج القدماء من الفلاسفة والمتكلِّمين من هذا الزبد الزائف”( )!هكذا يفترق أهل الحق عن أهل الباطل: يدعو أهل الحق للألفة بين المسلمين, وأهل الباطل يدعون للفرقة والتباغض بدعوى أنهم ينصرون الكتاب والسنّة وهم على خلاف ما هَدَيا إليه, فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الردود العقدية الرديئة المكفرة (كتاب الرد الشامل)

قراءة الكتاب
تحميل الكتاب

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: