إن الله عز وجل اقتضت حكمته أن يكون بين الأزمان ما هو مفضل منها، يختلف استقباله عن استقبال بقية الأزمان، لفضل اختصها الله به، فرمضان شهر اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون مميزًا عن باقي شهور السنة، حتى وكأنه سيد شهورها، فيه تتقبل الأعمال، ويثاب عليها ثوابًا عظيمًا، في الثلث الأول منه رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، والحديث الوارد في ذلك وإن كان ضعيفًا إلا أن المتوقع في شهر الصوم أن مَن صامه وقامه غُفر له ما تقدم من ذنبه ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه كما روى الإمام البخاري: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفيه الليلة العظيمة ليلة القدر ومن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، والصوم رحمة من الله لعباده، يوفر لهم به جليل الحسنات، إذا أحسنوا استقباله وشحنوا أوقاته بالطاعات، فقد كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه سلفنا الصالحين بقوله: (أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرم، قال أحد الصالحين عنهم: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم، وكان يحيى بن أبي كثير يقول داعيًا: اللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلًا، ويقول الإمام النووي -رحمه الله-: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكرًا لله وأن يحمد الله تعالى، أو يثني عليه بما هو أهله)، وهل في الزمان نعمة ظاهرة تتجدد أكثر من نعمة شهر الصيام، فكان حقًا على المسلمين كافة أن يستقبلوه بما هو له أهل فيشغلون أوقاتهم فيه بصنوف الطاعات صيام وصلاة وقيام وذكر وتلاوة للقرآن الكريم وصدقة، لا يضيعون منه لحظة إلا في عمل صالح، فهم لا يدرون أيبلغوا الشهر في عامهم المقبل، أم يلقون ربهم دون ذلك، وحال المسلمين اليوم يؤسفني أن أقول إنهم لا يحسنون استقبال الأوقات الفاضلة ولا يشحنونها كما أمرهم ربهم، وهداهم الله رسوله بالطاعات، بل كثير منهم وللأسف يصرفون أوقاتهم بما قد يسخط الله عز وجل عليهم، فها هو انشغالهم بالقنوات الفضائية، التي تخيّرت من الزمان أفضله فشحنته بكثير مما لا يرضي الله، من مسلسلات ملئت بأحداث تغضب الله، ولا ترضيه، وحدثني البعض أن هذا العام ازدادت هذه المسلسلات فجورًا، تعرض على المشاهد أسوأ صور الأحداث في الحياة وأشدها بشاعة، واشتغل بها الناس وبمشاهدتها منذ أن يفطروا وحتى يتسحروا، ومن يشتغل في أوقات عرضها تسجل له ليشاهدها إذا فرغ، وموضوعاتها أسوأ الموضوعات، حتى أن مسلسلًا محليًا لا يقدم إلا في رمضان أخبرت أنه قدم أسوأ مظاهر الحياة، والتي نرجو ألا تكون مسيطرة على الناس في حياة مجتمعنا المسلم، من عقوق للوالدين في أبشع صور العقوق وهي تقدم للناس في صورة كوميدية تجعلهم يقبلون عليها، وحلقة قدمت فعلًا من أسوأ الأفعال حرم منه الحيوان وفعله عصاة البشر، حتى أن من رأوا حلقته من نسائنا الفضليات، اللاتي لا يعرفن من المعاصي ما عرفه مؤلف الحلقة وممثلوها ومخرجهم، تساءلن ما هو الأمر الذي دعا بطل القصة لقتل جاره، فهن لم يدركن بحمد الله ما ضمَّنه مؤلفها من شر، وكذا صغارنا الذين بحمد الله لم يدركوا ما أرادت الحلقة أن توصله إليهم من فعل شنيع، ولعلنا في أعوامنا المقبلة نتخلص من هذا السيل الجارف مما يعرض علينا من أخلاق حثالة المجتمع عبر هذه المسلسلات بل وفي كثير من الأحيان الإعلانات، واتقوا الله قومي في مجتمعنا، وقدموا له ما يرتفع بذوقه، وأخلاقه، لا ما يتدنى بهما، فهل تفعلون رجاء؟.. هو ما نرجوه منكم، وفقكم الله إلى الخير.