جدة والرياض ومدن أخرى في بلادنا تنتابها اختناقات مرورية، تجعل في بعض الأحيان حياة أهلها صعبة، ويصبح السير في شوارعها يكاد أن يكون أمرًا مستحيلاً، فلدينا في كل مدينة كمٌّ من السيارات يجعلها موقفًا عامًّا واحدًا، لا تجد فيه لسيارة -مهما صغر حجمها- موقفًا، ولا تدري متى استقدمنا كل هذا الكم منها؟ ولم تخطط لمدننا شوارع تحتمل أن نسير فيها، ولمّا داهمنا الخطر أن تصبح سيارتنا وسيلة غير ذات جدوى لقضاء حوائجنا داخل مدننا، أدركنا أننا أهملنا هذه المدن، فلم تعرف التخطيط السليم لمستقبل ينمو فيه العمران في المدن، ويتضاعف فيها السكان في تزايد مستمر، فبدأنا مشوارًا لإصلاح الأخطاء، فتحنا شوارع مدننا ورشًا لبناء البنى الأساسية في وقت واحد، توسعة لشوارع، وإنشاء جسور وحفر للمجاري ولتوصيلات الكهرباء والمياه والتليفون، وتأسيس لمشروعات سكك حديدية على وجه الأرض، وفي باطنها، والعمل في كل هذا في وقت واحد، حيث يخرج المواطن من بيته ليصل إلى عمله كل يوم من طريق جديد، يقضي فيه الساعات، حتى فضّل كثير من الناس قضاء حاجاتهم من منطقتهم القريبة في أكثر الأحيان؛ خشية أن يقضوا وقتهم كله على الطرقات، ولا يصلوا لمبتغاهم، وهو الأمر الذي غيّر نمط حياة الناس في مدننا التي تتعرّض لمثل هذا في أيامنا هذه، حتى أصبح الخروج من المنازل بعد انتهاء الأعمال لجل الناس أمرًا غير مرغوب فيه، إلاّ للضرورة القصوى، بل إن حتى زيارة أماكن الترفيه لقضاء وقت ممتع أصبحت أمرًا نادرًا، والمهم ألاّ أحد يهتم لهذا، فاذا كانت المشروعات -ولا شك- ضرورية للمستقبل، فلا يجب أن تكون قيدًا على حركة الناس بصورة مزعجة، ويجب أن توجد لهم البدائل للسير في مدنهم بأقل قدر من المضايقات، ولن يتأتى هذا إلاّ بتخطيط مستقبلي لكل المشروعات الأساسية اللازمة لمدننا، وألاّ تكون في وقت واحد، بحيث تصبح الحياة صعبة عليهم، وإذا أقيم مشروع في منطقة، فيجب أن تخطط البدائل لما يقفل من الطرقات، بحيث يسهل على الناس حركتهم في المدن لقضاء حوائجهم، أمّا أن تصبح المدن ورش عمل يصعب معها العيش في مدينة جل طرقاتها مسدودة، أو تقضي وقتًا طويلاً لتصل لمبتغاك لكثرة التحويلات التي تعترض طريق سيرك لعملك، ولتسوّقك، ولتنزّهك وكأنه قد فُرض عليك أن تعاني جل يومك، ولن تجد في العالم كله واقعًا كهذا أبدًا؛ لأن الدول لا تقوم بمشروعاتها هكذا دفعة واحدة، بل تنفذها تباعًا حتى توفر للناس البدائل التي تريحهم، وتجعل حياتهم أكثر طمأنينة، فهل نفعل مثلهم؟ هو ما نرجو.. والله ولي التوفيق.