إن الاختلاف بين الناس في كثير من الأحيان يكون رحمة، إذ أننا لو قلنا أنه كله محرم، لقضينا على ألوان منه أصبحت ضرورة للحياة السوية، ولنبدأ بأقل القضايا، فالرأي في القضايا السياسية مثلاً أو الاجتماعية غالباً مقبول فيها الاختلاف ما دام لا حكم فيها من الشرع جازم، له دليل واضح الدلالة عليه، ثابت في الشريعة، ومثل هذه الأحكام لا اجتهاد فيها أبداً، حتى يتعلل معتوه أنه يمكن أن يجتهد فيها، فهو معلوم من الدين بالضرورة، ثابت بدليل واضح، ولم يبقَ لأحد سوى قبوله.
واليوم تسمع من لا علم له يخوض في أحكام الله ويهرف بما لا يعرف، فإن أعجبه الحكم ذكره، وإن لم يعجبه بادر الى القول بأن هذا حكم لم يثبت في الشريعة. وكم نقرأ مقالات ينكر فيها أصحابها الأحكام الثابتة في الشريعة، مما لا يختلف عليها عالمان، فأصبح هو العالم بل المجتهد الذي يرى في ما ثبت حكمه في الشريعة مجالاً للاجتهاد، وما لم يثبت، ولكنه يعجبه حكم لا دليل عليه وغير ثابت في الشريعة، وتسأله على ما اعتمد في ما يقول فلا تسمع منه إلا هجوماً كاسحاً حتى لو كان من يخاطب من كبار علماء الشريعة المجتهدين فيها.
وأخذ هذا التفكير السطحي ينتشر بين الكثيرين ممن لم يتخصص في علوم الدين ولم يمضِ العمر بين مصادرها، وإن أردت به الخير ونصحته، تجاوز كل الحدود في ذمك، ولعله أصبح ينشر أقوالك على أنها الخطأ البيّن.
وهكذا ينتشر الجهل رويداً رويداً حتى يتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيفتون الناس فينتشر الجهل بذلك.