الشيء الغريب في شرقنا العربي والإسلامي أننا لا نندفع في المطالبة بتحقيق ما نظنّه حقًّا لنا، إلاَّ إن دفعنا غيرُنا لذلك، فإذا انتشر الاستبداد في بعض الدول العربية والإسلامية، وضاق به الناس، جاء الغرب الذي استعمر أكثر البلدان العربية، التي أنّت من الاستبداد، وكان حكمه لها أكثر استبدادًا من حُكَّامها المُنتمين إلى تلك الدول، بل وجرأة على قتل كلِّ مَن يطالب بحقوق شعبه، ومَن يَعُدْ لقراءة سطور تاريخ حكومات الغرب حينما كانت تستعمر كثيرًا من البلدان العربية والإسلامية سيجد الفظاعات والقسوة في قهر الشعوب، ولكن الغريب أن هؤلاء الغربيين الذين يدفعون شعوبًا عربية ومسلمة للثورة على حكّامها لتطبيق الديمقراطية، ولتوفير الحريات، كانوا أعدى أعداء الحريات والديمقراطية، وهم يحكمون الكثير من الأقطار العربية حين استعمارهم لها، بل وأيَّدوا مُستبدِّيها أزمانًا طويلة بعد خروجهم منها لتحقيق مصالحهم، التي هي همّهم الأول، ولا يهمّهم إذا حقّقوها لو أطعموا تلك الشعوب للجهل والمرض والفقر، ومن الغريب أن يقيموا المعاهد في الغرب والشرق، ويستغلوا جماعات متطرفة منحرفة لإدارتها بأسماء مختلفة؛ كلها تُدرِّب بعض الشباب العربي على أساليب التغيير، والتي لم ينجح منها شيء عبر خمس سنوات مضت، وقبلها عقود في الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي في الثورات التي سمّوها بالملوّنة، والتي لم تحصد منها تلك الشعوب إلاَّ خلافات عرقية وقومية أثارت حروبًا ستستمر طويلاً، والناشطون العرب الذين غرّهم الغرب بدعواته إلى التحرّر، وتحقيق الديمقراطية عادوا إلى بلادهم ليُساهموا في دمارها، ونشر الفوضى في أرجائها، وكل هذه الشعوب التي ساهم بعض من سمّوهم النشطاء في إثارة الناس ضد الحكام، إنما كانوا معاول هدم للأوطان، فهذه الفوضى الذي شملت ما سمّاه الغرب دول الربيع العربي، إنما نتج عنها دمار شامل للاقتصاد والعمران، بل وضياع الدِّين والأخلاق، والصورة ماثلة في عدد من الأقطار، فأصبحت الحياة فيها مستحيلة، لا يأمن فيها الإنسان على حياته، وعلى عرضه، ولا أمواله، وها هم أهلها مُشرَّدون في أرجاء الدنيا، يُهانون حتى يستقبلوا كمهاجرين، وتضيع آمالهم، فلا حقوق لهم، ولا إنسانية تحقّقت لهم، ولا عاشوا في كَنف حُكم عادل.. الفوضويون فقط، والمنحرفون، والجماعات المتطرّفة هم مَن استفادوا من هذه الأوضاع، وكأنه كان مخططًا لذلك من قِبَل مَن نادوا بالثورات، ودعوني أقل لهؤلاء الفوضويين مع لطفي بوشناق: (خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّولي الوطن)، فما يصنع الإنسان بحرية؛ ولا وطن له يرعاها، ويعيش في كنفه، فاحرصوا أيُّها الشبابُ العربيُّ على أوطانكم، حتى لا تدفعوا ثمن الفوضى، لا الحرية، فهل تدركون هذا؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.