الديمقراطية والربيع العربي

الديمقراطية ليست مجرد انتخابات, بل هي نظام متكامل لا يمكن أن ينجح بمجرد تطبيق بعض آلياته

هذا المصطلح الذي أطلق على ثورات بعض الشعوب العربية وسعيها للتغيير, بعد أن ذاقت ألوانًا من الهوان, وكان الشعار الذي يرفعه الثائرون أنهم يطالبون بحكم ديمقراطي تداول فيه السلطة, ولكن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات بل هي نظام متكامل, لا يمكن أن ينجح بمجرد تطبيق بعض آلياته, فتلك الدول الديمقراطية العريقة قضت زمنًا طويلًا حتى اكتمل فيها هذا النظام وآلياته, ثم حصدت ثماره, وانهيار النظم العربية في العراق وتونس وليبيا وأخيرًا في مصر, دون تخطيط جيد للبديل, الذي لم يوجد حتى اليوم, وذلك أن من قاموا بالثورة لم يصلوا للحكم لأنه ليس لهم قادة, وإنما الثورة رغبة لعامة الناس, الأقدر لحصد ثمارها الأسرع في استغلال الظروف, والمتربص ليصل إلى الحكم, والذي خطط له منذ زمن طويل, فوصل إلى كراسي الحكم من لا يؤمن أصلًا بالديمقراطية, تشهد لذلك أدبياته المكتوبة وخطاباته المسموعة, بل إن الثورة أو التغيير ليست من مبادئه, بل هو يراها خروجًا على ولي الأمر, وهو كبيرة من كبائر الذنوب لا يلجأ إليها مثله سواء أكان هذا إيمانًا بهذه الفكرة, أو أنه يتخذه وسيلة يمالئ بها الحاكم, حتى يصل إلى ما خطط له, والذي انتظره عبر عقود طويلة, وكانت مواقفه قبل حدوث هذا التغيير بأشهر عكس ما يدعيه اليوم, ولما كان الحال كذلك وصلوا إلى كراسي الحكم في دول الربيع العربي, وتوارت الشعوب التي أرادت التغيير, وتحكم هؤلاء في مصائرها يخادعون الناس وما يخدعون إلا أنفسهم, وتدهورت أحوال هذه الشعوب, ولا تزال تتدهور, ولم تقدم هذه التيارات منذ وجدت خيرًا لمجتمعاتها, فكيف تستطيع أن تقدمه في أحلك الظروف, في فترات انتقال شديدة الخطورة, وجلُّ أفرادها متدنِيو المعرفة, لا خبرة لها في أي مجال من مجالات الحياة, حتى من حصلوا على شهادات في علوم دنيوية إلا أنهم لم يمارسوا العمل في مجالاتها, وادعوا أنهم دعاة وهم لا يدعون إلا إلى فرقة, لأنهم ينظرون إلى المواطنين أنهم قسمان, أحدهما يمثل الإسلام ويرعاه, وقسم إن لم يكن عدوًا للدين فالأقل أنهم لاعلاقة لهم به, وهذه الفكرة هي التي أكدت الفشل, فالتعامل مع سائر المواطنين على هذه الشاكلة تجعل بينهم وبين الناس من الحواجز ما لا يستطيعون به كسب ثقتهم, بل على العكس فهو مثل حاجز صد في وجه هذه الثقة, ولن تعود هذه الثقة بينهم وبين الناس, ومن يتولى الحكم وتهتز الثقة بينه وبين المحكومين, لابد وأن يزول حكمه سريعًا, والديمقراطية في هذا العصر أصبحت مطلبًا لكثير من شعوب العالم الثالث أو الدول الساعية إلى النمو, وهي النظام الذي نجح في هذا العصر, ولم يعد له بديل, والخلافة لا أظن أنها في ملامحها الأساسية تختلف عنه, إلا أنها نظام حكم أمة لا قطر, والدولة الحديثة انحصرت في دول الأقطار, لأن الوحدة بين عدد من الأقطار في هذا العصر لم تنجح بين قطرين, فما بالك أن تنجح بين أقطار كثيرة تنتمي إلى دين واحد, وإن اختلفت ألسنة وثقافات وعادات وتقاليد, ولكن الخليفة لا ينصب إلا عبر بيعة صحيحة تعبر عن رضا الناس بإمامته, وهذه البيعة قد تتغير صورها عبر تغير الزمان, والإصرار على نمط حكم قد مضى زمانه, والظروف التي نشأ فيها التي لا توجد اليوم, هو لون من العبث, لأن الصورة القديمة لا يمكن استحضارها لهذا العصر, وهذا لا علاقة له أن يحكم بشريعة الله, فتطبيق الشريعة كمصدر للدستور والقانون, أمر لا خلاف عليه بين المسلمين, وقد تعددت صور وأنماط الحكم في ظل الإسلام, حتى أن الخلفاء الراشدين الأربعة وصل كل منهم إلى الحكم بصورة مختلفة عن الآخر, وكانت دولة الإسلام دولة خلافة زمنًا ثم دولة ملكية في آن آخر, وهي سلطنة أو عدة سلطنات في زمن متأخر, ثم قبل المسلمون في العصر الحديث أن تكون دولهم جمهوريات, ومن نتحدث عنهم الآن الذين وصلوا إلى سدة الحكم في عدة بلدان عربية في هذا الربيع الذي أراه يتحول إلى خريف سقطت كل أوراق أشجاره, وتحولت خضرتها إلى لون أشهب يوحي بالممات, قبل أن يحكموا في دولة جمهورية وعبر نظام ديمقراطي ارتضوه ولكنهم لم يفهموه ولم يطبقوه, لأن لهم ثقافة مغايرة, ولكنهم ادعوا التنازل عنها من أجل الوصول إلى الحكم, والذي لاشك فيه إذا كانت الغاية الوصول إلى الحكم حتى ولو خالفتَ كل المبادئ التي آمنتَ بها, فأنت لم تؤمن أصلًا بهذه المبادئ وإنما أعلنتها لغاية في نفسك, وحينما تغيرتَ واستبدلتها بمبادئ أخرى, فأنت أيضًا لم تؤمن بها أيضًا, وستظل مترددًا تؤمن بشيء حينًا فإن لم تحصل على ما تريد كفرت به, وآمنت بما قد يكون مضادًا له تمامًا, وهذا السلوك لا يمكن أن يؤدي إلى الثقة بك, وهذه مشكلة الإخوان المسلمين اليوم ومعهم أدعياء السلفية في أوطاننا العربية, ما لم يغيروا من سيرتهم هذه التي جعلت الشعوب اليوم تنفر منهم ولا تؤيد وجودهم في كراسي الحكم مهما بذلوا من جهد, وإذا أضفنا تصرفات غير مسؤولة لمن ينتمون إليهم في التعامل اليومي معهم, كما نلاحظه اليوم في مصر وتونس بالذات, الذي خلق أوضاعًا متردية, لم تعد تريح الناس في الدولتين, بل لعل بعض أفراد هذه التيارات لم يعد يريحهم ما يجري, وأصبحوا الآن يعارضونه ويكتشفون أن قادتهم قد خدعوهم, فإذا لم تغير هذه التيارات وهي سياسية لا دينية من سلوكها فهي تعمل على إسقاط نفسها سريعًا, فهل يدركون هذا, هو ما أرجو, والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: