الذين ظنوا أنهم حينما يتظاهرون، ويرفعون في مظاهراتهم شعارات عن الديموقراطية، والكرامة، والعيش الكريم، ويُطالبون بحقوق الإنسان، في بلدانٍ عانت من الاستعمار أولًا، ثم بعده مِن الاستبداد، الذي رعاه المستعمرون القدامى، ثُمَّ دول استعمار جديد تتحكَّم في شؤون العالم كله، ظنّوا أنهم حينما يفعلون ذلك سيتحقَّق لهم ما يُريدون ماداموا أنهم -في نظرهم- على حق، بغض النظر عن توافر عوامل التغيير الأخرى، هم في الحقيقة واهمون. فكيف تسعى في مجتمعاتٍ كل ما فيها ضد الديمقراطية بمفهومها الغربي، أن تحقيقها سيحدث، لمجرد أنك رفعت شعارًا يُطالِب بها، مجتمعاتٍ تُقدِّس الاختلافات، وتُلبسها في ذات الوقت أردية دينية، وينادي أفرادها بشعارات يمنحها شيئًا من القداسة، ويروا في التخلي عنها تخلِ عن الدين ذاته، وكيف تدعو إلى عدلٍ ومساواة في مجتمعات الفوارق فيها أصبحت جزءًا أصيلًا من تركيبتها الاجتماعية، ثم كيف تنادي بمساواةٍ وعدل وعيش كريم، في مجتمعاتٍ لا تملك من وسائل ذلك شيئًا يذكر، الناس فيها يرون أن الفوارق بينهم شيء طبيعي تفرضه التقاليد والعادات، وقبل ذلك الدين، ثم إن الحقوق التي لا تتحقق إلا عبر أن تجد الدول المال الكافي لتحقيقه، لن تتحقق مهما رُفعت لها الشعارات، والدول تفتقر إليه.
إن العوامل التي ستحقق للناس مطالبهم في العيش الكريم؛ كان في جل دول ما أسموه الربيع العربي، لا يتحقق إلا بعد زمنٍ طويل، وكد، للحصول عليها بعملٍ جاد تتوفر له البيئة، التي تجعل الناس يعملون ليل نهار ليلتحقوا بدول العالم التي قدّست العمل، واستطاعت التغلب حتى على ندرة الموارد، وجل هذه الشعوب التي حدثت فيها الثورات التي سُمِّيت بالربيع العربي لا تتوفر فيها هذه العوامل، التي تجعل العمل مقدسًا، بل زرعت فيها ألوانًا من الرغبات الجامحة إلى كسلٍ دائم لدى الناس، وتتطلع إلى أن تُحقِّق لهم دولهم كل شيء، فلم يحدث فيها التغيير المرتجى، ولو أن من أرادوا التغيير دعوا في البداية إلى توفير العوامل التي تنهض بأفكار الناس، نحو توافر عوامل مهيئة لحدوث التغيير، قبل محاولته بالقوة التي باءت إلى الفشل، بل وأدّت إلى نشر فوضى ما استفاد منها سوى مَن خطَّطوا لحدوث انهيارات في مجتمعات تلك الدول، والتي تُعاني منها اليوم جل تلك الدول، ولعلَّهم يفطنون إلى ذلك، قبل أن يزحف الخراب إلى دولٍ أخرى، وهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.