الدين أو الإيمان نصفان – كما يقول ابن القيم رحمه الله- نصف صبر ونصف شكر، وللمؤمن أن يبحث عما يؤدي به إلى الصبر على البلاء
حينما يصاب المؤمن بمصيبة أيّاً كانت فهو مدعو إلى أن يتفكر فيما أصابه، فقد يكون لخطأ أرتكبه، إن كان الأمر أمر دنيا، أو لمعصية وقع فيها، وهو في الحالين مطالب بمراجعة نفسه، فيقلع عن الخطأ لتستقيم أحوال دنياه، والإقلاع عن المعصية إن وقعت منه، وهو في الحالين منتظر رحمة ربه، يغفر له ذنبه، ولكن حال ثالثة قد لا يجد المؤمن لها سببًا سوى الابتلاء، الذي يقول عنه سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “إن الله إذا أحب قومًا إبتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”.
والدين أو الإيمان نصفان كما يقول ابن القيم – رحمه الله- نصف صبر ونصف شكر، فالله عز وجل يقول “إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور” وللمؤمن في هذه الحال أن يبحث عما يؤدي به إلى الصبر على البلاء.
وهو حتمًا سوف يصبر على ما أبتلي به:
1- أن يلاحظ حسن الجزاء وحسب ملاحظته والوثوق بتحققه يخف عليه حمل البلاء لمعرفته بم يكون عوضًا له من الخير، فيقدم على تحمله العاجل انتظارًا للثمرة المؤجلة، فقد أجمع العقلاء أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن الراحة لا تكون إلا بعد المشقة.
2- أنه مع البلاء ينتظر روح الفرج، وبانتظاره يخف الحمل، فكم من لطف خفي يدق على فهم الذكي.
3- أن يهون بلاءه بأمرين، أحدهما أنه يعلم أنه لن يستطيع عد نعم الله عليه، فإذا عجز عن عدها وآيس من حرصها، هان عليه ماهو فيه من البلاء. وثانيهما، أن يدرك أن الله يعوض من صبر لا محالة.
وإذا كان المؤمن يدرك هذا كله احتمل كل بلاء يصيبه، خاصة المرض الذي يعانيه، وقد جربت هذا فمنذ ثلاث سنوات قد ابتليت بألم شديد الوقع عليّ في ظهري، لاختلال في فقرات العمود الفقري، وما بين علاج وعمليتين بالمنظار وحتى هذه اللحظة والحال على ماهو عليه.
ورغم تزايد آلامي التي أصبحت تحاصرني حتى ألزمتني غالب أيامي البيت أو المستشفى، إلا أني آمنت بأن الصبر سيعينني على تخطي الأزمة، فاعتمدت أولًا على عصا اتوكأ عليها، تعينني على أن أخطو الخطوات التي لم أعد استطيع سواها، ثم اعتمدت على كرسي متحرك، ثم استبدلته بكرسي كهرباء لأخفف الحمل على من حولي.
طبعًا لم أترك الدواء ولا أزال أراجع أطبائي، واستعنت بالعلاج الطبيعي هنا وفي الخارج، ولكن مع إيماني بالصبر استطعت أن أحول محنتي إلى منحة فقد أتاح لي المرض الذي أقعدني أن انصرف لمهمات في حياتي كدت أن أهملها، فقطعت أوقاتي بالقراءة، ووجدتني لا أكتفي بمكتبتي وهي كبيرة فأصبحت أضيف إليها بين الحين والآخر كتبًا جديدة.
واشتغلت بالكتابة أكثر، وعدت لمشروعاتي القديمة استكملها، وتفرغت لأسرتي وأحفادي، ورغم نوبات الألم التي تنتباني قد تصرفني عن بعض هذا، ولكن بمجرد أن تزول أعاود ما كنت بصدده من أعمال.
وحتى بعد أن صعب عليّ الجلوس إلى المكتب كثيرًا استطعت أن أوجد أوضاعًا أخرى غير الجلوس تساعدني على إنجاز أعمالي وبسهولة ما غاب الألم عني، وأنا اليوم أسعى للحصول على سرير طبي حتى أتمكن أكثر من مزاولة بعض هذه الأعمال براحة أكبر، وأرجو أن أوفر اللازم لشرائه بإذن الله، واستطعت مواصلة عاداتي في تلاوة القرآن الكريم عبر لوحي الإلكتروني وقراءة وردي صباحًا ومساءً، وعدت لقراءة كتب الرقائق، والتي أحببت قراءتها منذ أن كنت مراهقًا وحتى يوم الناس هذا وأصبحت أجد الوقت الكافي لها، بعد أن انقطعت عنها بعض الوقت.
وصحيح أن المرض قطعني عن مجالس كنت أزورها ونواد كنت أرتادها، ولعل من كنت ألتقيهم قد عذروني الآن، وقد علموا ما أعانيه ولا أقول أني لم أعاني إحباطًا بسبب المرض فترة من الزمن فقد انتابني هذا بعض الوقت إلا أن تخصصي في العلوم الدينية أعانني كثيرًا على تحمل تبعات هذه المحنة، وجعلها بالنسبة إلي منحة أعادتني إلى كثير من الخير يعود عليّ وعلى من حولي من أهلي وأحبابي، وهي تجربة أحببت أن أهديها لمن يجد فيها ما يعينه على تحمل الابتلاء علّه إن استفاد منها دعا لي، عل الله عز وجل أن يشفيني من هذا المرض وأن يجعله لي مادة تغسل ذنوبي، فلعل ما يصيبني من فضله وإنعامه بسبب كل هذا ما يسعدني اليوم في حياتي الدنيوية وأخراي بإذنه تعالى، وكل رجاء عنده لن يخيب فهو مولانا نعم المولى ونعم النصير.