يكاد المتابعون لما جرى في العراق منذ دخول جيوش الولايات المتحدة الأمريكية إليه واحتلاله، يلاحظون أن أول ثماره شيوع الطائفية بين مكوناته، والتي لم تكن معروفة عبر تاريخه زمنًا طويلًا، ذلك أن العراق مكونه الأساسي عشائر عربية وكردية وغيرها، وفي العشيرة الواحدة طائفتان أو أكثر، فلعل في كل العشائر العربية السني والشيعي، ولكن ذلك لم يفرق بينهم أبدًا، فقد كانوا يتصاهرون ويتجاورون دون أي أدنى مشكلة.
ولكن الاحتلال الأمريكي المخطط، والذي كانت غايته الأولى تقسيم العراق إلى كنتونات صغيرة، على حسب الأعراف والطوائف، ليسهل لها السيطرة عليه بصفة دائمة.
وهذا ما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية مصرة على دعم حكومة المالكي التي ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنها فاشلة، وأنها السبب في تهميش أجزاء من الشعب العراقي حتى ممن يجتمعون معها في نفس الطائفة.
وهذه الحكومة هي المسؤولة بصفة أساسية عن هذا التدهور الحاصل اليوم في العراق، ويهمها أن تكون جماعة داعش الإرهابية هي الظاهرة في الصورة، حتى تستمر في إهمال كل مطالبات العراقيين بالعدل ونبذ الاستبداد الذي تمارسه حكومة المالكي على أنه مجرد حروب جماعات إرهابية.
ولا تدرك هذه الحكومة أن للناس عقولًا ترفض تزييف الواقع، وداعش الإرهابية لم تستطع أن تجد لنفسها مكانًا في الساحة الأضعف في سويا وهزمت فيها في مواقع عدة، فكيف لها أن تنجح في ساحة أكبر وأشد اضطرابًا وهي الساحة العراقية، لولا أن كان هناك مصلحة في وجودها بعد أن فشل المالكي في تحقيق جولة ثالثة له في الحكم.
ولم يعد أمامه من وسيلة إلا إشاعة فوضى في العراق من خلالها يبقى في منصبه، ويستعين بمؤيديه في إيران والولايات المتحدة الأمريكية لجولة جديدة من الاستبداد بشؤون العراق، ومظالم جديدة يئن تحتها كثير من مكونات العراق البشرية.
فالصورة الغامضة اليوم لما يجري في العراق هي المؤهلة لمزيد من تشتيت الجهود لإقامة حكم مدني وطني عراقي لا علاقة له بالطائفية البشعة ولا لصور حراكها الدامي.
وهو ما يهيئ الفرصة للمالكي وأعوانه للبقاء في سدة الحكم رغم رفض معظم العراقيين، فكيف لا يحمد لداعش ما قامت به لتشويه ما يطالب به العراقيون من الحرية والعدل والمساواة؟!!.
وأمريكا تحت إدارة الرئيس أوباما تفكر في التدخل العسكري في العراق، وهو تفكير خطر جدًا، فإنها به ستدخل غمار معارك لن تخرج منها سالمة أبدًا، بل لعلها تكون فيها الخاسر الأكبر، بخسارة عسكرية تفوق خسارتها الأولى في فيتنام.
فالشعوب إذا توالى عليها الظلم أصبح أفرادها وحوشًا كاسرة لا تخاف قوة أيًّا كانت، ولو كانت القوة التي يروج لها بأنها القوى الوحيدة في عالم اليوم.
ولا يصلح أمر العراق إلا أن تدرك الأطراف المتنازعة فيه وخارجه إلا أنه لا حل سوى حكومة توافق وطني من كل مكونات العراق البشرية تحدد لها مدة زمنية انتقالية، تجري بعدها انتخابات برلمانية ورئاسية بعد وضع دستور يوافق الجميع عليه بأغلبية معقولة ويضع البرلمان من القوانين ما يضبط الحياة في البلاد، وأن تمتنع كل القوى الأجنبية عن التدخل في الشأن العراقي وترك الأمر لأهله ليتوافقوا على النظام الذي يرغبون. وأنا على ثقة أنه لو كفت بعض الدول وخاصة إيران والولايات المتحدة الأمريكية عن التدخل في شؤون العراقيين فإنهم سيصلون إلى اتفاق فيما بينهم في فترة زمنية معقولة بعد أن أرهقتهم الحروب والفتن، فهل يفعلون هو ما أرجو والله ولي التوفيق.