إن الذي نصّب نفسه مُتحدِّثًا رسميًّا عنّا، تراه على كل شاشة يتحدّث واثقًا أنه هو من يعرف كل دقائق سياسة بلادنا، ويكون كل همّه أن يُظهر للناس أنهم لن يجدوا غيره يحكي لهم ما حكاه
كلنا يعلم أن بعض الخلق من عباد الله مبتلى بالبحث عن الشهرة، وتتحكم فيه شهوة عارمة لأن يتكلم في كل شيء، ولو كان يجهله، ونرى نماذج لهذا الصنف من الناس في مجتمعنا.. منهم هذا الذي نصّب نفسه متحدّثا رسميًّا عنّا، حكومةً وشعبًا، تراه على كل شاشة يتحدّث واثقًا أنه هو من يعرف كل دقائق سياسة بلادنا تجاه الخارج، ويعرف كل شؤون إدارتها للداخل، وتستعين به بعض القنوات الإخبارية العربية والعالمية، هو مستعد للظهور على شاشاتها مرتديًا (البشت) من باب الاستزادة من الأبّهة، لعل ذلك يغري المشاهدين والمستمعين لما يقول بالثقة في مصادره، التي لا يعرف أحد ما هي، حتى أنه قد يجهلها، فهو يندفع إلى الكلام دون تريث ولا روية، كل همّه أن يظهر للناس أنهم لن يجدوا غيره يحكي لهم ما حكاه.
والقنوات اليوم خاصة الأجنبية منها؛ تتصل بكثير من المثقفين، بعد كل حدث، والقليل منهم من يتجاوب معها، فالبعض من المثقفين الرموز في هذا الوطن، لا يريدون أن يتحدّثوا للناس إلا فيما يملكون عنه معلومات موثّقة، ومن ليس لديه معلومات يرفض التحدث إلى الناس فيه.
ذلك أن الحديث عن سياسة الدولة تجاه الدول الأخرى لا يقوم على أساس ما يطرأ في ذهن هذا المتعطِّش للكلام، الراغب في الظهور على كل الشاشات، كما أساء هذا الصنف من الناس إلى الدولة وإلى مواطنيها عبر ما يهذي به من على شاشات الفضائيات العربية والعالمية الناطقة باللغة العربية.
وكم من تصريح لهؤلاء لقنوات أجنبية اتخذت منه نموذجًا للسخرية منّا، على اعتبار أن هذا الذي يطوف بالقنوات يبحث عن من يطلبه لإبداء الرأي فيما علم وما جهل، وغالبًا هو في السياسة أجهل من الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون، بل لعل منهم من فهمه لسياسة بلاده خير من هذا الذي يعرض على الناس بضاعته، التي لا تثير سوى السخرية به، واتخاذ ما يقوله مثلًا لما يقوله مواطنون غافلون عن هذيانه؛ الذين لو عرض عليهم ما يقوله لأمطروه باحتجاجاتهم.
وليت هؤلاء يقتصرون على الحديث عن السياسة، وكثير من الناس يعلمون أنهم جاهلون في هذا الميدان، وإذا رأوا الواحد منهم على شاشة قناة حوّلوا إلى قناة أخرى، إراحةً لأسماعهم من أن تصغى إلى مذيعين خبثاء ليعرضوا على الناس تفاهاته، ليُسيئوا به إلى هذا الوطن وأهله، وإن نصح لا يسمع النصح.
ولكن هؤلاء يضمون إلى حديثهم حديثًا في الوطنية، وهم لا يُدركون أسسها، بل ويجاهرون بأنهم يتحدثون باسم أبناء الوطن، وكأنهم وكلاء عنهم، وإذا استمعت لحديثهم علمت أنهم لا يتحدثون إلا عن أنفسهم وأبناء الوطن حقيقة عنهم معزولون.
وبعض هؤلاء يُصنِّف نفسه على أنه الناشط الذي يسعى إلى الإصلاح، وهو لم يصلح حتى نفسه، وتكثر أقواله ولا تجد بينها قولًا يجعلك تتابعه، إذا تحدّث عن الوطنية لم ير فيها شيئًا سوى إذكاء روح الكراهية بين مكوّنات المجتمع، حديثه دومًا عن طائفة يشتمها ويغلظ لها القوى، بل ولعله يُكفّرها حينًا بلا علم ولا حكمة، وكأنه لا يريد لهذا الوطن إلا عراكًا طائفيًا مستمرًا.
وهذا آخر يرى أنه يأتي بما لم تأتِ به الأوائل، فلا يرى وسيلة لتقدُّم الوطن ورقيه سوى أن يعود إلى ماض كان فيه الوطن نهبًا لنزعات من كل لون، عائلية كانت أم قبلية أم إقليمية، فإن لم تكفِ بعث للنزاع فرقًا ماتت، ولم يعد لها وجود.
وفي هذا المعترك يجد الأعداء الطريق إلى ما يُفرّقنا وما يضر بوحدتنا الوطنية، ويبعث على السخرية منّا، وهؤلاء كلهم يمدون العدو بأفتك سلاح يستخدم ضدنا، وهم واهمون أنهم بذلك يُحقِّقون منافع لهم، وكل ما يسيء إلى الوطن لا نفع فيه لأحد من أهله، وإن توهّم ذلك، ونصيحتنا لكل هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم ويطووا صفحة ليس فيها إلا ما يُسيء إليهم قبل أن يسيء إلى الوطن وأهله.. فهل يسمعون النصيحة؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.