المتحدثون في الدين بلا علم

قد لا يعلم كثير من الناس أن أعظم العلوم نفعًا للإنسان إنما هو علم الدين، فكل العلوم قد تعين الإنسان على أن ينجو في الدنيا، إلا أن علم الدين ينجيه في الدنيا والآخرة، وهو ككل العلوم يحتاج تحصيله زمنًا قد يطول حتى يستغرق العمر الغالب، ذلك أنه من المعارف والمعلومات التي تراكمت في الإسلام عبر ألف وأربعمائة عام وأكثر، ولا يمكن لأحد أن يستهين بذلك ويدّعي العلم به وهو لم يتعلمه بحسب طرق تعليمه المعهودة، والتي كانت في ماضي من عهود الإسلام أشق، فكان المتعلم منذ الطفولة وحتى يصبح عَالِمًا يمضي أيامه ولياليه في طلبه على أيدي علمائه يصاحبهم ويلازمهم، وينتقل من واحد إلى آخر، فإن استوفى ما في بلده من علم، رحل إلى بلدان أخرى سعيًا لمزيد من العلم، ولا يمكنه أن يكون عَالِمًا مُعتَبرًا إلا إذا اعترف بعلمه جل العلماء في عصره، وهذا أمر ولا شك أصبح اليوم أسهل عبر معاهد العلم وكلياته التي تُعدُّ الطالب ليكون متخصصًا في علوم الدين في مدة أقصر، ولكنه إذا تخرج فيها ولم يواصل الاطلاع على علوم الدين ويجالس علمائه للاستزادة، فإنه لا محالة سيتقلص علمه عبر الزمن.
ولابد أن نقول إن العَالِم مهما بلغ مقدار علمه فهو من البشر يصيب ويخطئ، لذا رد العلماء على بعضهم لتصحيح الأخطاء، ولأن السهولة في الحصول على العلم في هذا الزمان جعلت بعض المنتسبين إليه يتساهلون في تحصيله، فنرى بعضهم أعلم من بعض، ونرى منهم من كاد لإهماله أن يكون في عداد الجاهلين.
وعلم الدين يحتاج لصفات في المتعلم له، فلابد وأن يتقرب إلى الله بالطاعات حتى يكون ممن يخشون الله فربنا عز وجل يقول: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، فكأنه بأسلوب الحصر هذا وحده من يخشى الله تأكيدًا على وجوب أن يتمتع العالِم بهذه الصفة، فهو إذا فقدها قد يتغلب عليه الهوى فيضل ويضل من يقتدون به.
ولكن علم الدين ليس كلًا مباحًا يرتاده كل من شاء، وإن لم يسهر الليالي لتحصيله، فلن يتعلمه ولن يعرف علومه، فترى اليوم من أفراد الناس من لا يحسن أن ينطق اللغة التي نزل بها صحيحة الألفاظ معربة، ولا يعرف مصطلحات هذه العلوم، وهو صاحب تخصص بعيد عنها جدًا، وتراه يقدم برنامجًا يزعم فيه أن كل علماء الإسلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى يوم الناس هذا لم يعرفوا ما دلت عليه النصوص الشرعية، ويفسرها بهواه، وإذا خوطب بذلك غضب وكأنه الوحيد الذي يعلم الدين، ونسمع منه ما ينم عن جهل عظيم، بل إنه لا يحسن التعامل الإنساني، فبأي حق يتحدث مثل هذا في الدين وهو يجهل بديهياته، وعلم الدين كما هي العلوم الأخرى لا يصح أن يحتكرها أحد، ولكنها جميعًا لا يتحدث عنها وفي قضاياها إلا أهلها المتخصصون فيها.
فالقول على الله بغير علم من أكبر الكبائر في الإسلام فالله يقول: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ولهؤلاء أقدم هذه النصيحة من رجل مضت جل أيامه، وما بقي منها إلا القليل، يخاف عقاب الله على نفسه، ويخافه على إخوانه، فينصحهم مخلصًا: لا تتحدثوا إلا فيما تعلمون فقط لتنجوا. أنجاني الله وإياكم من عذاب الله.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: