لو واجه المسلمون هؤلاء الكاذبين في مجتمعاتهم وتعرفوا عليهم فلم يعطوهم ثقة لا في علم ولا دعوة ولا سياسة ولا اجتماع وحاصروهم حتى شعروا أنهم المنبوذون لاستطاعوا القضاء على كل فساد يصيب حياتهم
الكذب أخطر خلق في الإنسان، جرّمته الكتب السماوية، ورأت فيه العلوم الاجتماعية أخطر ما يعتري الإنسان، ليخرجه من الوضع الطبيعي له إلى وضع تنحط فيه أخلاقه، حتى يفقد مصداقيته بين من يعيش معهم،
وهو في الإسلام أحد الكبائر، التي عقوبتها في الدنيا أن يفقد الإنسان بها الثقة بكل ما يقوله أو ينقله من الأخبار، ففي علم الحديث يشترط للثقة في الراوي أن يكون صادقًا، وبمجرد ما ينقل عنه أنه يكذب فروايته مردودة بل إن الوضع لا يكون إلا من الكذابين، ذلك أن الله عز وجل حذرنا من قبول خبر الفاسق، وهو من يدفعه فسقه إلى الكذب حيث قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وإذا اعتبرنا الفاسق هو من يرتكب من الذنوب الكبائر، وأولها وأخطرها الكذب، ومن لا يتورع عن ارتكاب هذه الذنوب، فأشهر صفاته ولا شك الكذب، وفي الإسلام لا تقبل شهادة ولا رواية لخبر إلا من العدل وهو ذلك الذي يأتي بما أمره الله، ويمتنع عن كل ما نهى الله عنه، وله مروءة تمنعه من أن يأتي فيه شبهة حماية لعرضه وصونًا له، وهذا العدل هو الحريص دومًا أن يكون صادقًا حتى ولو أدى هذا الصدق إلى ضرر يلحقه أحيانًا، فالصدق ينجي والكذب يهلك، وبالتجربة الحياتية فإن انتشار الكذب في أي مجتمع يفسد الحياة، لأن الكذابين يفسدون التعامل بين الناس، فهم من يغتابون الناس إذا غابوا، وهم من يسعون بينهم بالنميمة، ولن تجد موقع فساد في أي بلد إلا وفيه أحد الكذابين، ولهذا شرط الولاية وهي الوصول إلى المناصب العامة أن يكون من يليها عدلًا، والعدل لا يكذب، وحين يكذب فإنه حينئذ ينتقل إلى الدرجة الأدنى، التي تعني أنه أقل درجة من العاصي، فقد يكون بين العصاة من هو صادق، أما هو فهو أدنى من ذلك، يدخل إلى مرحلة الفسق المؤدية حتمًا إلى النار، وأما أن يكون من يحمل العلم الشرعي كاذبًا فتلك كارثة، تجعله يفارق سمت العلماء وينزع عنه الثقة، فلا يعود أحد ينظر إليه كعالم، كذا المشتغل بالدعوة أو بالوعظ، فهؤلاء إذا لم يكونوا عدولًا فالثقة بهم تتدنى، فالعلم والكذب لايجتمعان، ومن يقع منه الكذب فلا يصلح لهذه الأعمال، وأما المشتغلون في السياسية صغارًا كانوا أم كبارًا فلا شك أن انتشار الكذب بينهم يسقطهم، وإذا كانت السياسة اليوم تقوم عند البعض على الكذب وما يستطيع أحد أن يثق بمن يكذب، فبعض الأمم في عصرنا تعزل السياسي إذا كذب أو حنث في اليمين، ولن تصلح السياسة إلا إذا استبعد من دائرتها من لا يتورعون عن الكذب، وأما الجماعات التي تنسب إلى الإسلام نفسها زورًا، وهي تنتهج العنف أسلوبًا للعمل، وتتطرف في مواقفها، وتغلو في الدين دون فهم صحيح لأحكامه وقواعده ومقاصده، فالكذب مادتها التي تعتمدها عبر نشر الإشاعات الكاذبة، واتهام الخلق بما لا يصح أصلًا أن يقع منهم، ولا أدري كيف يُصغَى إلى هؤلاء في مجتمعاتنا المسلمة، وهم يعلمون أنهم يكذبون كما يتنفسون، ولو واجه المسلمون هؤلاء الكاذبين في مجتمعاتهم وتعرفوا عليهم فلم يعطوهم ثقة لا في علم ولادعوة ولا وعظ ولا سياسة ولا اجتماع وحاصروهم حتى شعروا أنهم المنبوذون داخل مجتمعاتهم لاستطاعوا القضاء على كل فساد يصيب حياتهم، ولحموها من الفساد،
ولو أنهم أعلوا قيم الإسلام وأعلاها الصدق لربحوا حياتهم الدنيا وأمنوا في حياتهم الأخرى، فالإسلام – سادتي- كله خير ولا شر فيه البتة، ومن ادعى شرًا فيه فقد كذب لذا فنحن ندعو إليه وإلى محاسنه التي تجتذب إليه الخلق فقد انتشر هذا الدين الحنيف بقيم أهله العائدة إليه التي حافظوا عليها، حتى اقتنع الخل بها فاقتدوا بهم، فلنعاهد الله على نشر فضائل ديننا بالتمسك بها والعمل لها ونحن في مجتمعاتنا وخارجها فهذا هو الخير الذي أرجو أن نكون عليه وبالله التوفيق.