بعد ظهور هذه الفرقة الخارجة التي أسمت نفسها زورًا الدولة الإسلامية في العراق والشام، وصنع الإعلام لها مختصرًا من كل كلمة حرفًا ليصبح اسمها «داعش» وما قامت به من جرائم بشعة لا يقرها الدين ويرفضها العقل، شاع الرعب بين عامة الناس، وهم يرون هؤلاء المجرمين يستولون على أجزاء من دول عربية، ويتجاوزون الحدود إلى أخرى، وهذه الجرائم البشعة تتوالى، وهؤلاء الجهلة المجرمون يستخدمون أقوالًا لعلماء هم من أهل السنة إما أن أقوالهم كانت خاطئة ورد عليها العلماء منذ ظهورها، وإما أنهم فسروها بما يحقق لهم غاياتهم، ولكنا نعلم يقينًا أن في ثقافتنا الإسلامية مدرسة غلو في الدين وتشدد يجب أن تواجه بعلم وحزم، حتى لا يبقى لهذه الجماعات المنحرفة الإرهابية مستمسك تظن أنها به تزعم أنها تطبق أحكام الإسلام، وأهم فكرة في ثقافة الغلو (التكفير)، الذي أصبح اليوم لا يتورع الناس عن استخدامه في مواجهة بعضهم بعضًا، أفرادًا وجماعات تنتسب إلى مختلف التيارات والطوائف.
ولا أظن أن مر بتاريخنا الإسلامي فترة شاع فيها التكفير والتضليل والتبديع مثل أيامنا هذه، تقرأ وللأسف هذا في رسائل جامعية تصم الصوفية في عالمنا الإسلامي كله بأنهم مبتدعون، بل وأكثر منها أن يزعم بعض من يسمى نفسه داعية ويستقبله العلماء بترحاب بأن لهم دينًا غير دين الإسلام، وزاعم أن أهل حضرموت منذ دخول الصوفية إلى مجتمعهم بزعمه في القرن الرابع الهجري وهم في ضلال حتى اليوم، وهذا يكتب رسالة عن الأحناف يضللهم بل ويخرجهم أحيانًا من الملة، والكتب والكتيبات تنتشر بهذا البلاء، ويلتقط صغار السن عبارات من هذه الكتب والكتيبات والأقوال تتردد على الألسنة فيندفعون إلى هذه الجماعات الإرهابية يلتحقون بها لأنها تردد مثل هذه الأقوال، ظنًا منهم أن ما يشاع دون رقيب ولا حسيب في المجتمع، حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أمر خطير جدًا لا يجب أن يستمر إذا كنا نريد إطفاء الفتن في سائر أقطارنا العربية والإسلامية، فإن مجتمعًا مسلما يكفر بعضه بعضًا، ويضلل بعضه بعضًا، ويبدع بعضه بعضًا ليل نهار وينشر أفراد فيه دون محاسبة ثقافة غلو في دين وتشدد، تجعل كل مباح محرمًا فإن لم يكن كذلك فهو مكروه، وإلا فهو مما يورث بدعة وفسقًا وكفرًا ولا يجد من يرد عليه، يعرفه بالحق ويأطره عليه أطرًا، ويرد باطله عليه ويحاسبه على نشره.
إن بقاء الحال على ما هو عليه هو فتح باب للتحريض على بعض المسلمين لأنهم يختلفون عما ينشر مثل هذا، وهو أمر أدركه الجميع ولمسوا ضرره البالغ على مجتمعات المسلمين، الذي بعث فيه الفكر الخارجي بأسلوب أشد ما كان عليه الأمر حين خروج جماعة الخوارج أول مرة في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأولئك تراجع معظمهم بمجرد التحاور معهم، وخوارج عصرنا نحاورهم ونحسن إليهم ثم يخرجون من السجون معلنين التوبة، ومستفيدين مما أعطوا من المال والعفو، فلا يلبثون إلا قليلا، فإذا هم يعودون إلى ما كانوا عليه من ضلال، لأننا لم نستطع المواجهة الفكرية لما دفعهم للخروج، فالتنظير مستمر وله رواد لا يختفون عن الأنظار، بل يزعمون أن هؤلاء ما هم إلا شباب متحمس يدفعه إلى كل هذه الجرائم تغريب وعلمنة ودعوات ليبرالية، وهم إنما يبررون لهم ما يفعلون، فمتى نرسم خطة وطنية لمواجهة ثقافة الغلو حتى نقطع دابر هذا الإرهاب الذي يهدد أوطاننا العربية والإسلامية، فهل نفعل؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.