يجري مجلس الشورى مناقشة لما يُقدّم إليه من تقارير سنويّة تصدرها الوزارات، أو المؤسسات العامة عمّا تقوم به من أنشطة طوال العام، ونسمع ونشاهد بعض هذه المناقشة، ونقرأ عنها في الصحف، ونجدها أحيانًا حامية تشتد فيها عبارات الانتقاد، ولكنّها ما أن تنتهي حتى لا نعود نسمع عن نتائجها شيئًا، فلا الأخطاء تُصحّح، وما تعمد منها يحاسب عليه فاعله، ولا نجد آليات تجعل لهذه المناقشة فائدة تعود على الوطن وأهله، بل إن المتتبّع لهذه النقاشات يكتشف أن كل ما اعترض عليه في هذه السنة يتكرّر في السنة التي تليها، نحن طبعًا على يقين أن مهمّة المجلس استشارية غير ملزمة للقطاعات الحكومية، ولكننا لا نتمنى أن تصبح بعض أعمال المجلس صورية، لا تجد لها صدى في أرض الواقع، ذلك أن مجلس الشورى في صورته التطبيقية الأخيرة سيكون كالبرلمانات، حتى أن وفوده إلى الخارج تتحدث عن أنها وفود برلمانية، وكلما ارتقى عمل هذا المجلس، وأصبح له دور فاعل في حياة الناس كلّما تعلّق الناس بمستقبل أفضل لوطنهم، ولمشاركة فعلية وشعبية في القرارات التي تمس حياتهم، بما أن هذا المجلس بتركيبته الحالية يمثّل جلّ مناطق وجهات البلاد وفيه حتمًا كفاءات لو أتيحت لها الفرصة لكان لها من المشاركات الفاعلة ما يؤدّي إلى بعض ما يتوق إليه أبناء هذا الوطن، وهذا الأمر لا يتسنّى حتّى نعترف بأن دور مجلس الشورى لم يتطوّر بالشكل المأمول، بعد أن تحمّس المواطنون له عند إنشاء النسخة الأخيرة له في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، وحينها كان التفاؤل أن المجلس سيتطوّر، وتتصاعد مهماته حتى يصبح مجلسًا رقابيًّا بحق، ولا نزال نتفاءل بتطوّره، وأن ينجح في مهمّته، ما دمنا نبحث عن الأفضل لهذا الوطن والحياة فيه، وتعاوننا جميعًا للنهوض بهذا الوطن سيؤدّي حتمًا إلى تحقيق أمانينا في وطن تتطوّر كل جوانب الحياة فيه، في عصر تتنافس فيه الأمم لبناء حضارة عصرية قويّة تحقق لكل شعوب العالم ما تطمح إليه، ولا نشك لحظة أن من أهم وسائلنا للقضاء على الإرهاب وجماعاته التي تحاول أن تؤذينا في هذا الوطن، هو النهوض بالوطن؛ ليكون الدولة القوية التي لا ينجح فيها هذا الإرهاب الأسود كما عهدناها دومًا، وقد قطعنا أشواطًا مهمّة في تطوير وتحديث الحياة في وطننا، ونحتاج اليوم إلى دفع عجلة التنمية المستدامة في الوطن، مع استكمال مؤسسات الدولة الحديثة، وتمايزها بحسب الأنظمة الحديثة بسلطاتها الثلاث: السلطة التشريعية، والتي يمثلها هنا مجلس الشورى، والذي ننتظر أن يتطوّر وتصبح قراراته ملزمة، والسلطة القضائية عندما تتم آخر حلقات تطويرها، ثم السلطة التنفيذية، والتي هي اليوم في يد قيادة أمينة، يثق بها مواطنوها، ويؤيدون خطواتها الحاسمة.
وكم نتمنى أن نرى مناقشات أعضاء المجلس للتقارير السنوية ينتج عنها تلافي الأخطاء التي تقع فيها أجهزة الدولة التنفيذية في الوزارات، والإدارات العامة، والمؤسسات ذات الصلاحيات المستقلة، لتكون هذه المناقشات فعلاً ذات جدوى، وإنا على ثقة أن هذا سيحدث -بإذن الله- قريبًا، فهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.