إذا كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعلى الفرائض في الإسلام نفعاً في المجتمع المسلم، بها تستقيم الأمور فيه، وتصلح عن طريقها كل الأخطاء وجميع أنواع الخلل، فهي مهمة لا توكل إلا لمن له العلم التام بكل ما هو معروف يأمر، وكل منكر ينهي عنه وينكر على فاعله، فهي مهمة العلماء الذين أفنوا الأعمار في طلب العلم مرضاة لله عز وجل، لا لطلب شهرة أو طلب دنيا، وهذه الفريضة التي شبهها سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح بركاب السفينة الذين استهموا عليها فنال بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فرأى من هم في الأسفل منها أنهم يؤذون من في أعلاها إذا مروا بهم ليستقوا الماء، فرأوا ان يخرقوا في قسمهم خرق يستقون منه الماء، فلو تركوهم وما ارادوا غرقوا جميعا وان اخذوا على أيديهم ومنعوهم نجوا ونجوا جميعا، فهذه مهمة من يتصدون للاحتساب من العلماء يسعون لصلاح الجميع طائعهم والعاصي منهم، يسعون الى العصاة ليقنعوهم بتركها ويرغبونهم في الطاعة بأسلوب دعا اليه الله بحكمة وموعظة حسنة، ويحفظون لمن اطاع حقوقهم، بل ولمن عصوا، لا يتجاوزون الحق في الدعوة الى الله، واذا عين ولي الامر للحسبة من يقوم بها سقط التكليف عن الباقين، خاصة إذا كان علمهم ومواهبهم لا تؤهلهم لها، وتدخلهم في شأنها يجلب الكثير من المحاذير، حيث يقع بينهم وبين من يظنون أنهم ارتكبوا منكرات وأخذوهم بالشدة فتنافروا، ما لا تحمد عقباه، ويجب حينئذ أن تمنع السلطة القائمة هؤلاء الذين يثيرون بين الناس الفتن، ويحضون على التباغض بينهم باسم الدين من ان يقوموا بمثل هذا على انه امر بمعروف ونهي عن منكر، فترى بعضهم يندفعون ظناً منهم انه منكر محرم، او يعترضوا على انشطة ثقافية او اجتماعية اذنت باقامتها السلطات، ويداهموا امكنتها وكأنهم سلطة منفذة، وهم لا يمثلون سوى انفسهم ومن الخطأ الاستجابة لهم، خاصة اذا فعلهم مشين، يعطل الكثير مما يجب السماح به لتطور الحياة في هذا المجتمع الطيب، لأنهم يرون في كل محدث جديد لهذا التطور محرماً مجانباً للدين، فلو اتحنا الفرصة لكل احد ان يفرض علينا افكاره لدبت في مجتمعنا الفوضى، فهل ندرك هذا هو ما ارجوه والله ولي التوفيق.