كارثة القول في الدين بلا علم!

إن وقاحة الجاهل إذا بلغت الحد الذي يُنصِّب فيه نفسه عالِماً بالدين، ويخوض في علومه ومسائلها دون أن يكون له علم بها البتة، بمعنى أنه لم يتعلَّم تلك العلوم، ولا أخذها عن أصحاب العلم بها، ولا حتى كلَّف نفسه بالاطلاع عليها، ثم أخذ يفتي فيها برأيه، وهو لا يعلم حتى الضروريات من العِلم الديني، ولم يتخصَّص فيه، بل إن بعض مَن يفتي اليوم برأيه في الدين بوقاحةٍ معهودة؛ لا يهتم -حتى- أن يتعلَّم أدوات العِلم به، فتراه وهو يخوض في مسائله بجهل، لا يُحسن قراءة آية ولا حديث، بل إن عِلمه باللغة العربية معدوم في الغالب، ولكنه يسود الصفحات ثم يأتي الجاهلون من أمثاله، الراغبون في ألا يعملوا بأحكام الدين، فيُنصّبونه العالِم الأوحد في الدين، والفيلسوف في علمهِ الأول، ويُقدِّمونه على علماء الدين كافة، منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وحتى يوم الناس هذا، وهم يُدركون أنه لا يقول عِلماً، بدليل إعجابهم بما يقول لا لأنه الحق، فهم لا يعلمونه، ولكنهم يريدون التخفف مما كلَّفهم الله به من طاعته، والانصراف إلى الشهوات دون تأنيب ضمير بعد أن غَّيبوه كلياً، ولا أشك أبداً أنهم لا يُدركون خطورة هذا، وكتاب الله يُتلى على مسامعهم في المساجد، والمحافل، ويُرغَمُون على سماعه عبر وسائل الإعلام، ولكنهم ينفرون من الاستماع إليه، خشية أن يكون سماعهم لما أمر الله أو نهى عنه ملزماً لهم، فهم يصمّون الآذان عنه حتى لا يُلزموا أنفسهم به، وذلك ظناً منهم بأنهم إن فعلوا فلن يُحاسبوا على معصيتهم لله وتركهم لطاعته. والغريب أننا في عصرٍ يتعلَّم فيه الإنسان عِلماً ثُمَّ ينساه، ولا يُراجعه أبداً، ولا يعتني بالعودة إليه، فإذا هو بعد زمن، كالأُمِّي، لا يعلم مما تعلَّم شيئاً، ولعلك تجد من النماذج لما أقول الكثير في زماننا، ولا أحد يُحاسب نفسه على جهل، حتى انتشر الجهل بالعِلم في الدين والدنيا بين الناس، حتى لا يأنس أحد أن يجد متخصصاً بارعاً في علم دين أو دنيا إلا نادراً، وإذا وجده لم يجد حوله أحداً ممَّن يسعى للتعلَّم منه، ويقرأ لجاهل قولاً برأيه في الدين بلا عِلم، حتى أنه يقول فيه زوراً، فيجد من المثنين عليه، ومَن يرون فيه العالِم القدوة، حتى من حمَلة الشهادات العليا الكثيرين، وهؤلاء الذين ابتلي عالمنا الإسلامي بهم من أهل التخصصات المختلفة: علوم حياة وعلم نفس أو اجتماع وعلوم آداب، وأنصاف مثقفين ومهندسين ومتخصصين في علومٍ مختلفة، ليس بينها عِلم الدين، ولم يفلحوا فيها، هم اليوم نماذج لمفتي الزمان!!.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

العالم الأول الذي افترى على الأمم!!

عشنا زمناً ونحن نتحدث عن السياسة والمتقدمين في ممارستها، حتى نعتنا دولاً بأنها العالم الأول، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: