بلغنا خبر وفاة خادم الحرمين الشريفين، وقد بدأنا الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 3/4/1436هـ، فدعونا الله له بالمغفرة، وأن يسكنه الله فسيح الجنان، فقد كان عهده عهد عز لهذا الوطن، فقد كانت مواقفه كلها داخليًا وخارجيًا قد تميزت بالرغبة في رقي هذا الوطن والعمل لنهضته، ومواقفه العربية الصامدة حول القضايا المهمة للأمة تثير الفخر، فقد سعى لإصلاح المسيرة العربية ما أمكن الجهد، وكان يسعى إلى وحدة الصف العربي في كل القضايا العربية والإسلامية وقد كان رحمه الله يروم أن تتحد مواقف الدول الخليجية، بل سعى لوحدة بينها من أجل مصلحة شعوبها.
وكان يرحمه الله ثاقب النظرة سياسيًا، يدرك مواقف الدول الأجنبية ويحدد موقفه تجاهها، بحيث إن موقفه كان صلبًا تجاه كل موقف يرى أنه يمس وطنه بسوء، ولكن الحكمة تلازمه في كل ما من شأنه الموازنة بين موقف لابد وأن يتخذه لدرء خطر على الوطن، مع ما يحتاجه التوازن من اتخاذ الموقف الذي لا يخلق لدولتنا عداء لسنا في حاجة إليه.
قابلته مرات وشعرت وأنا بين يديه بما عرف عنه من تواضع جم وخلق كريم وعبارة توجه إلى مواطنه بالرفق، وتحسس لما يحتاجونه، يؤيدهم في مطالبهم المعقولة، ويستمع إليهم بما يشعرهم أنهم جميعًا أبناؤه الذين يحس بكل مشكلاتهم، حتى أنهم لا يخرجون من مجلسه وإلا وعمّهم الرضا.
كانت قيادته للوطن طوال سني حكمه قد اتسمت بكل الحكمة، التي زادت البلاد أمنًا واستقرارًا وجعلت شعبه يتطلع إلى أن مطالبه كلها ستتحقق مادام للدولة قدرة على تحقيقها، وكانت مواقفه كلها من أجل الوطن حاسمة، فقد خرج بمبادرة منه عشرات الآلاف من شباب الوطن إلى سائر الدول المتقدمة في بعثات علمية، إعدادًا لهم للنهوض بالوطن على أسس علمية، لتجعله منافسًا للأمم في هذه الحضارة الإنسانية.
ولم يخرج من وطننا مثل هذه الأعداد من قبل، لتكون نواة نهضة للوطن ترجى إلا في عهده الزاهر، ولم يزل عند موقفه الثابت من ذلك حتى وافته المنية، إنه القائد الذي كان اهتمامه بوطنه وشعبه يستولي على تفكيره، وعنه تصدر مواقفه الرائعة من أجل عزة هذا الوطن وحمايته من الشرور.
إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز-رحمه الله- منذ كان وليًا للعهد وهو يسعى من أجل أن يصلح ما اختل من أوضاع الإدارة، ويصدر أوامره للوزراء والمسؤولين أن يرعوا مصالح الوطن والمواطنين، وقد أنشأ هيئة لمكافحة الفساد من أجل أن يتم الإصلاح وأن يختفي كل فساد ضرره بالوطن ومصالح المواطنين ظاهر بيّن، ولعله كان يتمنى لهذه الهيئة أن تنشط في عملها حتى تصل إلى كل بؤرة للفساد في الإدارة أو في التصدي للمال العام، وهمه أن يخلو هذا الوطن من الفساد والفاسدين.
ومواقفه من دولنا العربية كلها كانت مواقف مساندة، فلما تعرضت مصر لما تعرضت له، وكادت أن تضيع، كان لموقفه العروبي الصلب ما جعلها تصمد في وجه الهزات العنيفة التي مرت بها، مما جعلها تنظر إليه أنه المنقذ لكل أوطان العرب بمواقفه العروبية القوية.
وقد كان -يرحمه الله- في كل مواقفه يسعى أن يبقى هذا الوطن قائدًا للأمتين العربية والمسلمة، يتمسك بهذا الدين الحنيف وتطبيق أحكامه ومنهجه في الحياة، يصونه ويحميه، ويقرب إليه العلماء ويستشيرهم، مما جعل هذا الوطن مقصد كل مسلم، يجد فيه الصورة الحية للدولة التي تطبق أحكام الشريعة بنجاح.
ومع إصراره على استبقاء هوية الوطن العربية الإسلامية، إلا أنه يسعى بكل ما أوتي من قوة أن يدفعه للتقدم والرقي ليكون قويًا قادرًا على مواجهة عصره بأساليب علمية تجعله يسابق الزمن لتضييق المسافة بينه وبين دول العالم المتقدمة، لأنه يعلم أن قوة الأوطان في هذا العصر إنما تعتمد على العلم، كما تعتمد على القوة العسكرية التي كان يسعى إلى أن تكون القوة التي تحمي الوطن عزيزًا، وتمنع عنه كل الشرور.
إننا اليوم ونحن نودع الملك القائد عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، نعلم أننا في دولة مؤسسات فها هو ولي عهده الملك سلمان بن عبدالعزيز يتولى مقاليد الحكم وها هو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز يتولى منصبه وليًا للعهد، وها هو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية يتولى منصب ولي ولي العهد، فنسأل الله لهم التوفيق، وأن يعينهم على ما تحملوه من مسؤولية قادة للوطن والشعب وأنهم بإذن الله قادرون على قيادة هذا الوطن وتحقيق أمنه واستقرار وتقدمه، فهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.