نحن أعداء لكل هذه الجماعات الإرهابية التي لا صلة لها بالإسلام وإن ادعت ذلك، فلنحصن الوطن بمقاومتها فكريًا وأمنيًا وغايتنا ألا يبقى لها أثر في أوطاننا
إني لا أشك قط في أن الوطن أعلى أنواع الهويات وأرجاها عند أهلها، بحيث أنك لو تصورت نفسك بلا وطن، لرأيت كل ألوان الذل والعذاب، وفي زمن تتراجع فيه الاعتبارات الإنسانية لاعتبارات أخرى، لعلها أوسعها نطاقًا، وأكثرها استعمالًا المصالح الذاتية، التي لا تجعل للأفراد أو الجماعات أو الدول بابًا مفتوحًا للعناية بالإنسان ما لم يكن يحقق لهم مصالح، وهو وإن كان في وطنه قد يتعرض لأحداث ومواقف لا يريدها إلا أنه في وطنه يظل متطلعًا إلى تغيير يتيح ما فقده، لكنه يبقى مرفوع الرأس مادام في وطنه يكافح عن نفسه بما له من حقوق على وطنه.
وأما إذا فقده فإحساس المهانة يتسرب إلى نفسه حينًا بعد حين، حتى يفقد الأمل في حياة كريمة تحوطها عزة، فقد رأينا من فقدوا أوطانهم وما نالهم من ذل في أرجاء هذا العالم حيث لا كرامة لإنسان خارج وطنه، بل إن العزيز فيه ليذل خارجه، خاصة إن وقع في أرض لها سابقة عداء لحكومة وطنه، وقد تستخدمه حكومة البلاد التي آوى إليها وتستغل وجوده ضد وطنه، ومهما كانت ظروف الوطن مع أبنائه فخيانته أقسى، فالإنسان منها يحس مرارة الذل بما فعل، ويظل يخشى العودة إلى وطنه مادام له سابقة خيانة له ولأهله.
واليوم العالم كله يضطرب بأحداث جسام بعضها جعل الحياة في بعض الأوطان مستحيلة، وخرج الملايين من أهلها مهاجرين إلى البلدان المحيطة ببلادهم، واسألوهم كم قد أحسوا المهانة وهم خارج وطنهم، وكم غمرهم الشعور بالذل لفقدهم الوطن.
إننا في ظل الأوضاع المتردية والمتتابعة في أرجاء وطننا العربي بعد أن فرط العرب في حقوقهم، وأتاحوا لأعدائهم أن يجدوا الوضع ملائمًا لتدخلاتهم في كثير من أوطاننا العربية، وإيهامهم لمواطنيها أنهم يسعون لمنح أوطانهم نظامًا ديموقراطيًا يرقى بمستواهم، وحرية هم يستحقونها، فدعوا شبابهم للتدريب على ما أسموه وسائل التغيير، حتى يستطيعوا إحداثه في أوطانهم، وهم إنما يسعون لنشر الفوضى في تلك الأوطان، حتى لا تستطيع العودة مرة أخرى إلى الاستقرار والأمن إلا عبر خسائر فادحة، لم تستطع تلك الأوطان احتمالها، ولا أظنها قادرة على التخلص من هذه الفوضى في الأمد المنظور أبدًا.
نحن اليوم في وطننا الآمن يجب أن نحذر من الوقوع فيما وقع فيه الآخرون في دول “الربيع العربي” وهو الخطة القديمة التي أسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية (الفوضى الخلاقة) وكان الأولى بها أن تسميها “الفوضى المدمرة” التي ما إن تدخل بلدًا حتى تحوله إلى زمن ضارب في الماضي يعيد إليه أسوأ ما كان فيه على مرّ التاريخ، حتى يحيي فيه أسوأ ألوان التراث غير المرغوب فيه كتراث الخوارج، الذي بعثته هذه الفوضى في أقبح صورة والذي مثلته “داعش”، هذه الجماعة الجديدة القديمة، التي احتوى فكرها أسوأ ما في فكرنا الإسلامي عبر جماعاته المدعية أنها دعوية، تريد رد الناس إلى حكم الإسلام وشريعته، وحقيقتها أنها جماعات استبداد تسعى إلى السلطة لتتحكم في رقاب العباد، لتحكمهم بالحديد والنار ولتستلب أموالهم ولتعتدي على أعراضهم باسم الدين والدين منها براء.
العرب اليوم بين فكي كماشة الغرب الذي لم ينس أننا هزمنا حملته الصليبية ونحن في زمن قوتنا، فأراد الانتقام منا في حال قوته وتقدمه، وحال ضعفنا وتخلفنا بإشاعة الفوضى في مجتمعاتنا ثم بإعانة خوارج العصر على الفتك بنا رغم إظهاره أنه عدو لهم، وإذا انقلب السحر على الساحر، ضج الغرب مما يفعله هؤلاء بمواطنيه في قتل وتشويه جثث فسعى للقضاء عليها خوفًا منها، لا لأنه يريد حماية العالم منها.
وفي الوطن يجب أن تجتمع الكلمة، فلسنا في حاجة وعود بديموقراطية زائفة محصلتنا فوضى عارمة تقضي على الوطن وأهله وتكون أشد هدرًا لثروة الوطن وضياعها.
ونحن أعداء لكل هذه الجماعات الإرهابية التي لا صلة لها بالإسلام وإن ادعت ذلك ولنحصن الوطن بمقاومتها فكريًا وأمنيًا وغايتنا ألا يبقى لها أثر في أوطاننا.. فهل نفعل.. هو ما أرجو والله ولي التوفيق.