مما لا شك فيه أن تشويه كل ما تعلق بالإسلام من أحكام ونظم هو من فعل مدرسة استشراقية غربية، صاحبت المستعمرين الذين انتهزوا حالة ضعف المسلمين بعد انهيار دولتهم وتفرقهم إلى دول في أقاليم لا تستطيع الدفاع عن نفسها، وكانت أطماع الدول الغربية في استغلال ثرواتها لا تحدها حدود، ومعها شيء من الانتقام لحروب وقعت باسم الصليب، وصدَّها المسلمون حتى وهم في حالة ضعفهم، وكان هَمُّ هذه المدرسة أن تشوه كل ما تعلق بالإسلام: رسوله صلى الله عليه وسلم- وأحكامه وغاياته، ثم الزعم بأن جهاد المسلمين الأوائل، إنما هو احتلال، رغم أن هذه الكلمة كمصطلح لم تظهر إلا مع سيطرة بعض الدول الغربية على أراضٍ إسلامية بحجة تمدينها، وهي حجة واهية مكشوفة، لذا ظهر هذا المصطلح (الاحتلال) ليبين واقع حال الأقاليم المسلمة التي تعرضت للاستعمار البشع، الذي أزهق من الأرواح أضعاف ما أزهق من أرواح في حروب الفتوحات، التي وصفها بعض الغربيين المنصفين بأنها فتوحات رحيمة وقالوا: لم ترَ الدنيا أرحم من الفاتح العربي، ومن نظر للحروب في أوروبا منذ عهد اليونان والرومان ثم حربين عالميتين وجد أن ضحاياها بمئات الملايين، وحروب المسلمين مع أعدائهم منذ العهد الأول عهد النبوة والخلافة الراشدة وحتى نهاية ما سمي عهد الفتوحات لم يكن لها من الضحايا إلا أقل عدد لم يبلغ حتى عشرات الألوف، وكل ما يتهم به المستشرقون حروب المسلمين إنما هو ما وقع من الغربيين على مر تاريخهم، ولا يثبت من تلك الدعاوى المضللة شيء في حق الإسلام والمسلمين.
ولكن وللأسف ظهرت في أرض المسلمين نابتة كلما اتهم الغربيون دين المسلمين وتاريخهم بما يريدون به التشويه المتعمد، وتشكيك المسلمين في دينهم تلقفوه بكثير من الحماس وأذاعوا به، وقد حذرنا الله من مثل هذا فقال: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منه، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) وها هم اليوم ضحلو الثقافة، الذين لم يطلعوا على تاريخ أمتهم، ولا تاريخ الأمم الأخرى التي كان بينها وبين أمتهم عداء ظاهر، لذا لم يردوا ظلم أعدائهم وسفكهم الدماء، وما نال المسلمين منهم من حيف، يتهمون المسلمين لأنهم أخذوا الجزية من غيرهم وخيروا المحاربين بين الإيمان أو الجزية أو القتل، ونسوا أن أعداءهم في الأندلس لم يخيروا المسلمين أصلاـ، بل سلبوهم أموالهم وأجبروهم على اعتناق المسيحية ومن لم يقبل قتلوه إلى أن هيأ الله طريقا بمغادرة الأندلس إلى بلاد المسلمين، أما المسلمون فخيروا ووفوا بعهودهم لغير المسلمين، ولم يقتلوا منهم إلا القليل ممن كانوا خطرا على أمن المسلمين فيجيء في هذا جاهل يقول: إن الجزية لم تشرع بالقرآن وإنما فرضها المستبدون من حكام المسلمين، والعذر أنه جاهل لم يقرأ كتاب الله، فالله عز وجل يقول في سورة التوبة (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وإذا أخذ المسلمون من أحد الجزية لم يكلفوه قتالا معهم وأمنوه على نفسه وماله وأتاحوا له حرية أن يبقى على دينه لا يجبر على تركه، وكانت الجزية عند تشريعها من الله هي قانون سائد بين الأمم آنذاك في الحروب، فلعل هذه الأصوات تخفت فالإسلام باقٍ وأصحابها زائلون والله ولي التوفيق.
الوسومالإسلامية الفتوحات المسلمين بعض يشوه
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …