لا يُولى أحد شؤون الناس في أي مجال إلا ومسؤوليته عن هذا الشأن تامة، وكل العاملين تحت إدارته مسؤوليته عما يفعلون ثابتة فهو وهم حزمة واحدة تجاه القيام بالخدمة
منذ زمن طويل وكثير من المواطنين يرون أن وزارة الصحة، قد استهلكها الزمان وتسرب إلى جهازيها الإداري والفني «الطبي» لأسباب مختلفة، تنقل إلينا الصحف بعضًا منها خلل وقصور وأخطاء متوالية، وقد لا يغيب عنها شيء من الفساد، وقد نادى الكثير من المخلصين عبر أكثر من عقدين من الزمان أن تُجرى إعادة هيكلة هذه الوزارة بعد أن شعر الكثير منهم بتهافت هذا الهيكل، رغم أن ميزانيتها من أكبر ميزانيات الوزارات، ولا يزال الناس يتذكرون لأحد الوزراء جهدًا في زمن كانت إمكانات الوزارة أقل منها اليوم، وميزانيتها أقل بكثير، ولكنه بالعزم والتصميم استطاع أن يغير من روتينها الإداري، ويحد بجد من البيروقراطية المتحكمة فيها، أعني معالي الدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- ولا ندعي أنه أتى بما لم يأته غيره، ولكنه استطاع أن يجعل العمل في الوزارة ينتظم بعيدًا عن أساليب التعطيل لعلاج مواطن يئن من آلام المرض، وأعان من لم يجد العلاج في مستشفيات الوزارة أن يطلبه خارج البلاد على نفقة الحكومة ودون أن يضطر للبحث عن وسائل غير مرضية، وعاد الأمر لما كان عليه حين انتهت خدمته كوزير في الوزارة، وبدأنا نحس التدهور في خدمات الوزارة، وحينما بلغتنا قبل سنوات النية في تعيين الأخ الكريم والصديق الحبيب الدكتور عبدالله عبدالعزيز الربيعة قادما من الشؤون الصحية للحرس، فرح مثلى لهذا التعيين، لما عرفته من نجاحه في عمله السابق، وخشيتي عليه فالشؤون الصحية للحرس مجال عملها محدود، والمستشفيات التي تشرف عليها وإن كانت مهمة فهي لا تقاس بما تشرف عليه وزارة الصحة التي تغطي خدماتها جميع أجزاء البلاد، أو هكذا يجب أن تفعل، ولا أعني أن معالي الدكتور عبدالله غير قادر على الإشراف عليها، ولكنه قادم من خارج الوزارة، وما شرحناه من أوضاعها يحتاج منه إلى مزيد من العمل والانتباه، وأنا آخر من يُشكَّكك فيه أنه يريد المساس بشخص كنت ولا أزال أكن له الكثير من المحبة والتقدير، ولكن بين كتاب الصحف من يريد ان ينفي عن الوزراء كل مسؤولية ويحملها فقط لصغار الموظفين، وكأن الوزراء عينوا بلا مسؤولية تقع على عاتقهم حتى عن صغار موظفيهم، وقد أحسست بالألم، والشكوى تنتظم جميع مناطق المملكة من أداء وزارة الصحة، وكثرة مايقع في مستشفياتها، ومراكزها من أخطاء بل أصبحت هذه الشكوى وللأسف ظاهرة تملأ الصحف والمجالس ومن لم يستطع الوصول إلى معالي الوزير أصبح يلجأ إلى كل وسيلة يمكنه بها إعلان شكواه من خلالها، وأظن أن وزيرنا الغالي يترفع عن ثقافة الإنكار التي تسود معظم أجهزتنا الحكومية، إذا وُجه إليها أي نقد نزيه، فهي التي لا تعرف إلى الخطأ سبيلا، ولا أظنه يرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت كلفة هذا الاعتراف، فهناك ثلاثة أشياء تتميز بها إداراتنا الحكومية، فعدم الاعتراف بالخطأ عادة لديها، لأنها تظن أن الاعتراف به يعني أن تسقط هيبتها، والحقيقة أنها لا يعرضها للمساءلة إلا خطأ فادح متعمد وهذا أمر لا يمكن إثباته بسهولة، وأما إذا ثبت فعلى كل مخطئ متعمد أن يتحمل مسؤوليته، ولينل عقوبته، وإذا لم يمكن الاعتراف بالخطأ، فالوارد بعد هذا أن يبرر الخطأ سواء كان غير متعمد أو متعمدًا، وتتلون التبريرات حتى تصل إلى أقوال لا يمكن قبولها، وقد تدعو إلى أن يضحك سامعها، وإذا لم يقبل التبرير، أو خُشي ألا يتقبل ظهر الإنكار، فكل ما تتحدثون عنه لم يقع، وكم قرأنا في الصحف إنكارًا لحوادث وقعت كان المواطنون شهودًا عليها، ولكن المسؤولين في الإدارة ينكرون وقوعها أصلًا، وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات، فلم نقرأ في الصحف عبر زمن طويل إن إدارة خدمية اعترفت بوجود خلل فيها، أو لون من قصور، أو أخطاء وقعت، ولن تجد سوى القول إن هذا لم يحدث، وكان يجب أن تتواصل معنا لنعرفك على الحقيقة، فلا يعلم شيئا من هذا سوانا، وحينما نُقل إلى الطفلة رهام دم يحمل فيروس الإيدز، اعتذر المسؤول في بنك الدم أنه مثقل بالعمل وهذا ما أوقعه في الخطأ، في تبرير لا يمكن أن يقبله عاقل، فإذا كان الموظف لا يستطيع أن يقوم بالعمل فليتخلَ عنه، ولا يصيب طفلة بمرض خطير جدًا، سواء أكان ما انتقل إليها فيروسًا نشطًا قد تنقله إلى غيرها، أو كان نشطا ستعانى من آثاره جسديًا، فلابد من محاسبة المخطئ، واتخاذ الإجراءات الحاسمة حتى لا يتكرر الخطأ، ثم النهوض بأداء وزارة الصحة، حتى يطمئن إليه جميع المواطنين، الذين ترتفع أصواتهم اليوم بالشكوى، والقول بأن معالي الوزير غير مسؤول عن هذا الخطأ أو سواه فإنما هو لون تبرير لن يجد قبولًا عند الجميع، فلا يُولى أحد شؤون الناس في أي مجال إلا ومسؤوليته عن هذا الشأن تامة، وكل العاملين تحت إدارته، مسؤوليته عما يفعلون ثابتة، فهو وهم حزمة واحدة تجاه القيام بالخدمة وهو يحاسبهم على أخطائهم،وهو أهل ان شاء الله لما أنيط اليه من مسؤوليات ..
فهل ندرك هذا هو ما نريد والله ولي التوفيق.