حوار الصامتين

كلمة الحوار تعني أن يكون له طرفان، لا بد وأن بينهما اختلاف سواء كان هذا الاختلاف فكرياً أو دينياً، سياسياً أو اجتماعياً، وللطرفين فيه مواقف بعيدة عن بعضها، أو هي متقاربة، ويراد إزالة هذا الاختلاف، فإن لم يمكن أن يزال بالكلية فلا أقل من أن يتقارب الموقفان، فنزع منهما ما قد يسبب صراعاً أشد، وعادة الحوارات العلمية إلا ما ندر يزال فيها الاختلاف أو يبقى في أضيق نطاق، وتضرب لذلك مجالاً في نطاق الأفكار الاختلاف في الفروع الفقهية،فقلّ أن تجد فيه اختلاف التضاد، فالأصول التي ترجع إليها المذاهب تكاد أن تكون واحدة، لذا وجد المجتهدون فقهياً سبباً لرفع اختلافهم في مسائل معينة بصدور حكم قضائي، وفي أحيان أخرى بما دعوه مراعاة الخلاف، وقد يبقى الاختلاف العقدي مأزقاً لدى المسلمين، وقد ينتهي حيناً على اعتبار الطرف الآخر خارج الملة كافراً، ويطمح أحد الطرفين الأشد غلواً لالغاء الطرف الخارج، وقد ينادي الطرف الذي زعم انه على الحق لاستخدام أحد آليات الدين، وهو فرض الجهاد، ليستأصل شفة الطرف الآخر إذا كان بالنسبة إليه هو الأقل عدداً وعدة، وسمعنا بين الطوائف عبارات تتردد بأن الآخر أشد كفراً من اليهود والنصارى، ويبقى هذا اللون من الاختلاف مستعصياً على كل حوار، بدأ فيه لتخفيف حدته، أو حصره في مسائل محدودة، ولكنه دوما ينتهي بحوار هو للصمت أقرب، فالأضعف يظل دوماً صامتاً، والمتحدث الذي يملأ الدنيا ضجيجاً هو من يتاح له الحوار علناً، أما الطرف الآخر فإن جرأ كان حواره همساً، ورغم طرح فكرة أهل القبلة لتجمع بين المختلفين عقدياً إلا أن الأمر ظل على ما هو عليه، يصرح بالحوار الأقوى، خاصة إذا كان يملك سلطة، ويصمت الآخر ويهمس ببعض ما قد حسبه ظلماً له، دون أن يتم الجهر به، وهو الأمر الذي يولد دوماً في الاتجاهين الجماعات السرية، وانظروا إلى كل الطوائف ستجدوا لهذه نماذج، ممن يرون منهجهم يعني اتباع السلف وهو اجتهاد لهم لا يرون غيرهم من المتمذهبين أو الصوفية على حق، وترى الشيعة زيدية وامامية وغيرهم وأهل السنة والجماعة، فمن علا صوتهم وامتلكوا أدوات القهر للآخر كانوا هم المعلنون والآخرون هم المحاورون عبر صمت، غاية ما يسعون إليه التعايش لا أكثر، فهل ندرك هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: