لا تزال جُلّ صحافتنا صحافة رأي قبل أي شيء آخر، منذ نشأتها وحتى اليوم، أما أن تكون كباقي صحافة العالم متنوعة، فهو ما لم تحظ به حتى اللحظة، ومع ذلك فلعل كثيرًا من صحفنا لا تمتلك من وسائل جلب الخبر إلا القليل، وتعتمد على ما يردها من وكالات الأنباء، إن كان لها اشتراك فيها، وأظنه النادر بين صحفنا، أو عبر ما تنقله وسائل إعلام أخرى عالمية، أو عربية، كالإذاعات والقنوات التلفزيونية، أو حتى الصحف الأخرى، أما تحليل الخبر فهو غائب غالبًا عن صفحات كثير من صحفنا، لأن المتخصِّص فيه بين صحفييها أو كُتَّابها هو القليل النادر، أما نقله عن الوسائل الأخرى فهو الملاحظ، ولعل هذا كله أمر واضح لا يحتاج إلى دليل وللأسف، وقد نبَّهنا عليه مرارًا، رغبة منَّا إلى أن ندعو إلى تقوية إعلامنا تجاه إعلام الآخرين، وفي معظم صحفنا مع هذا ظاهرة يجب ألا تستمر، فإنها وإن كانت صحافة رأي، فلا بد لهذا الرأي أن يتعدَّد ويتنوع، أما أن تكون صحافة الموضوع الواحد في هذا المجال، فهو معيب، حينما يتّجه الكُتَّاب فيها إلى معالجة موضوع واحد، مهما كان خطيرًا أو مهمًا، فالكِتَابة في موضوعٍ واحد، ومصادره الخبرية محدودة، يجعل من هذه المقالات متشابهة إلى حدٍّ كبير فيملّها القُرَّاء، ولا تؤدي إلى ما يظنّه كاتبوها، والموضوع الخطير جدًا إذا كُتب فيه مقال واحد أو مقالان أو حتى ثلاثة قوية، تلفت الأنظار إليها، وتُقدّم مادة صحفية دسمة، حتى تجبر بعض وسائل الإعلام خارج البلاد إلى النقل عنها، ويجد المحللون غير الوطنيين ما يمكن النقل عنه ومناقشته، فذاك خير من أعداد متكاثرة من المقالات، تُردِّد أفكارًا متشابهة، بل ينقل بعضها عن بعض، وتمر يوميًا وليس بينها ما يمكن أن يثير الاهتمام، والصحافة والإعلام الحي؛ هو ما يلجأ كُتَّابه إلى الابتكار في عرض الموضوعات، وتحديد وتنويع الأساليب، التي تدفع القُرَّاء دفعًا إلى متابعتها، وأتمنَّى مخلصًا أن نجد في كلِّ صحافتنا الكاتب السياسي الذي يُتَابَع، ويهتم القُرَّاء للاطلاع على مقالاته لتميّزه، وأظننا حتى اليوم نبحث عن مثله عبر صفحات كثير من صحفنا ولا نجده، والاعتراف بالواقع والحقيقة أفضل بكثير من المكابرة والاستمرار في المبالغة في وصف بعض المقالات أو الكُتَّاب، والواصف يعلم علم اليقين أنه إنما يجامل فقط، وأن الواقع مختلف تماماً عما يقول.